والنهي، والوعد والوعيد؛ وأما من قبلهم فهم إباحية، يسقطون الأمر والنهي.
والقول الخامس: قول من يقول: إلا ليخضعوا لي ويذلوا; قال: ومعنى العبادة في اللغة: الذل والانقياد، وكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله ومتذلل لمشيئته، لا يملك أحد لنفسه خروجا عما خلق له.
وقد ذكر أبو الفرج عن ابن عباس:"إلا ليقروا بالعبادة طوعا وكرها"، قال: وبيان هذا قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [سورة لقمان آية: ٢٥] ، وهذه الآية توافق قول من قال: إلا ليعرفوني، كما سيأتي.
وهؤلاء الذين أقروا بأن الله خالقهم، لم يقروا بذلك كرها، بخلاف إسلامهم وخضوعهم له، فإنه يكون كرها ; وأما نفس الإقرار، فهو فطري فطروا عليه وبذلوه طوعا. وقال السدي: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات آية: ٥٦] قال: خلقهم للعبادة، ولكن العبادة عبادة تنفع؛ ومن العبادة عبادة لا تنفع {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}[سورة لقمان آية: ٢٥] الآية هذا منهم عبادة، وليس ينفعهم مع شركهم، وهذا المعنى صحيح.
ولكن المشرك يعبد الشيطان، وما عدل به الله، وهذا ليس مراد الآية؛ فإن مجرد الإقرار بالصانع لا يسمى عبادة الله مع الشرك به، ولكن يقال كما قال تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[سورة يوسف آية: ١٠٦] .