للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصافحون، وصنف يعملون ذلك العمل الخبيث. نعوذ بالله من ذلك كله. وقد ذمَّ الله تعالى اللوطي ولعنه، ومع ذلك كله ترى العبد المخذول ينظر؛ فيُلعن، ويخرج عن طريق الرسول؛ وذلك لقوة المادة التي خلقوا منها، وهي أنموذج ما في الجنة.

فإن قيل: ما فائدة تحسين هذه الصورة ثم نهى عن النظر إليها؟

ذكرت ذلك مبينًا في باب التكبر تحت هذا الباب، ولا فائدة في إعادته. وقد حسن الله تعالى المحسنات وابتلاك بها، ليعلم صبرك، وهل تحبُّها أو تحبُّه، ومنن الله تعالى موجودة، لكن منع الإنسان من الشهود تعظيمه لنفسه، واشتغاله بهذا الوجود، وعدم وقوفه على الحدود. فمن محا نفسه أثبته الله، ومن غض بصره فتح الله بصِيرته، ومن ذلَّ لعظمة الله أعزَّه الله.

رأى بعض الصالحين ربه في منامه فقال: يا رب، بم يتقرب المتقرِّبون إليك؟ قال: بشيء ليس هو عندي وهو الذلُّ.

قال بعضهم شعرًا يناسب هذا:

إذا رمت عز الوصل ذُلَّ لمن تهوى … فكم عزة قد نالها المرء بالذل

إذا كان من تهوى عزيزًا ولم تكن … ذليلًا له فاقر السلام على الوصل

فطلب العلو في الدنيا والرئاسة هو من قلة الدين، وكثرة الخساسة؛ لأن من طلب أن يكون رأسًا (١)

ألقى نفسه للعطب، ويكفيك من الأدلة قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: ١٢٣]. قيل لبعض الصالحين: أتريد أن ترى الله تعالى؟ قال: لا. قيل: ولم؟ قال: أنزه ذلك الجلال (٢) عن نظر مثلي.

ويحكى أن أبا حنيفة رأى الحق سبحانه في المنام وقال له: تمنَّ


(١) في (ق): رئيسًا.
(٢) في (خ): الجمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>