للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أين هؤلاء من قوم يجهرون بالمعاصي، ولا يستحيون ممن بيده جميع النواصي؟ حتى إنَّ بعض المخذولين يفتخر بها، فيقول أحدهم لخليله: لست مثلي أنا في قعدة أشرب جرة، أو أزني كذا كذا مرة. وهذه المصائب ظلمات بعضها فوق بعض، ويخاف عليهم من سوء الخاتمة، وهو أشد ما يكون من العقوبة، وأهون من ذلك: موت القلب، ومحو لذة مناجاة الرحمن، والحرص على الذنوب، ونسيان القرآن.

وقف أبو عبد الله بن الجلاء ينظر إلى [غلام] نصرانيِّ حسن الوجه، فمرَّ به أبو عبد الله البلخي وقال له: ما أوجب وقوفك هنا؟ قال: يا عم، أما ترى هذه الصورة الحسنة كيف تعذب بالنار؟ فضربه الشيخ بين كتفيه وقال: لتجدنَّ غبَّها ولو بعد حين. قال: فوجدت غبها بعد أربعين سنة، وذلك أني نسيت القرآن (١).

وقد افتتن بالمرد جماعة؛ لأن الشيطان يدخل على العبد من حيث يمكنه؛ لأنه لا يأتي للعابد يزين له الزنا أولًا، وإنما يحسن له النظر، والعالم والعابد قد أغلقا عنهما (٢) باب النظر إلى النساء لقلة المخالطة، والصبي مخالط لهما، والآدمي يعجبه النظر إلى الأمرد الحسن أكثر من النظر إلى المرأة، وسببه لأن المادة التي خُلق منها أقوى من مادة النساء.

وقال السيد الجليل سهل بن عبد الله: سيكون في هذه الأمة أناس يقال لهم اللوطيون، وهم على ثلاثة أصناف: صنف ينظرون، وصنف


(١) أخرجه ابن الجوزي في «ذم الهوى» ١٢٧ بإسناده إلى محمد بن الحسين بن الجلندي المقرئ قال: سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول، فذكر الخبر والزيادة منه. وأخرجه من هذا الوجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٦/ ٨٤، في ترجمة: (أحمد بن يحيى أبو عبد الله بن الجلاء) وقال: أحد مشايخ الصوفية الكبار، توفي سنة (٣٠٦) . وله ترجمة في «تاريخ بغداد» ٥/ ٢١٣. وأبو عبد الله البلخي هو محمد بن الفضل بن العباس الزاهد، الحَبرُ الواعظ، توفي سنة (٣١٩) ، مترجم في «سير أعلام النبلاء» ١٤/ (٢٩٨).
(٢) في (خ): عليهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>