للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثوري والحسن البصري، وجماعة كثيرة من التابعين: لا يَدَعون الأمردَ يحضر مجلسهم (١).

وكان أبو حنيفة يُعلِّم محمد بن الحسن من وراء ظهره، فلما طلعت لحيته أجلسه بين يديه، وكان السلف الصالح إذا أقبل الأمرد الحسن غمض عينيه، وفر كفراره من الأسد، وقال قائلهم (٢):

فوالله ما أدرى أنفسي ألومها … على الحب أم عيني المشومة أم قلبي

فإن لمت قلبي قال لي العين أبصرت … وإن لمت عيني قالت الذنب للقلب

فعيني وقلبي قد تشاركن في دمي … فيا رب كن عوني على العين والقلب

فإن تأول أحد من هؤلاء الخارجين، فهو من وساوس الشياطين. كقول أحدهم إنه يشاهد صنعة الله تعالى، وما في قلبه شيء. هذا الرجل أنطقه الله سبحانه الذي أنطق كل شيء. إن ما في قلبه شيء صدق، ما في قلبه حياء ولا إيمان؛ لما جاء في الحديث الصحيح: «إن الحياءَ من الإيمان» (٣): فمن لا حياء له، لا إيمان له. وفي حديث آخر: «الحياء خير كله» (٤)، الحياء لا يأتي إلا بخير فمن فاته الحياء فقد فاته الخير كله، ويخاف على من ادَّعى أنه عبادة، أن يحرم عند الموت الخير والشهادة.

قيل للشيخ إبراهيم بن معضاد الجَعْبَريُّ (٥): يا سيدي، النظر إلى المردان هو عبادة؟ قال: لا، بل قيادة، وهي -واللهِ! - من قلَّة الدين والسعادة.

وقيل له: قد كنت تحضر السماع فلم تركته؟ قال: خرجت من البدعة، ودخلت في السنة.


(١) انظر «سلوة الأحزان في النهي عن مجالسة الأحداث» (ص ٢٨).
(٢) في (ق): وأنشد.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) أخرجه أحمد في «مسنده» ٤/ ٤٢٦ (١٩٨١٧)، والبخاري في «صحيحه» (٦١١٧)، وفي «الأدب المفرد» (١٣١٢)، ومسلم في «صحيحه» (٣٧) (٦٠)، وأبو داود في «سننه» (٤٧٩٦) من حديث عمران بن حصين .
(٥) توفي سنة (٦٨٧) ، وسيذكره المؤلف في موضع لاحق، ونترجم له هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>