للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقراءة آية يتدبرها الإنسان ويعمل بها، خير له من قراءة ختمة بغير تدبر ولا عمل، وقد شبه الواحد القهار هذا القارئ وأمثاله بالحمار الذي يحمل على ظهره الكتب والأسفار. قال الله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة: ٥].

ونسأل الله سبحانه أن لا يجعلنا ممن رضي بالعلم دون العمل، وبالقول دون الفعل. فالعلم بغير عمل كقوس حسن بغير وتر، أو كسحاب كثير بغير مطر، أو كشجر غزير بغير ثمر. والقول بغير فعل أشد بلاءً، وصاحبه على خطر. ونسأل الله تعالى اللطف فيما قدره، وأن يجعلنا ممن ينزجر بزواجر القرآن ويتبع أوامره.

فالنفوس قد ترامت على البدع، وهي عن السنة نافرة، والقلوب غافلة غير حاضرة، والأعين لا تعتبر، وللحرام ناظرة، والألسن قد شغلت بكلام الدنيا وعيوب أهلها، وليست بذاكرة، والأبدان لا شاكرة ولا صابرة، ولا عاملة على رضى مَنْ هي إليه صائرة. فالأذن لا تسمع، والقلب لا يخشع، والعين لا تدمع، والبطن لا تشبع، والسلعة بائرة، والأحوال قد حرمت الاستقامة؛ وهي حائرةٌ. وكذلك الأفعال والأقوال قد خالفت السنة المباركة الطاهرة، ونسأل الله العظيم الاستقامة والخاتمة بقدرته القاهرة، وما ذلك بعزيز على من يحيي العظام الداثرة.

ثم اعلم بأن فضل القرآن ومن تعلمه، وعلمه بغير منة ولا ملالة، لا يعلمه إلا الله سبحانه. قال : «خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه» (١). وفي


(١) أخرجه أحمد في «مسنده» ١/ ٥٨ (٤١٢)، والدارمي في «سننه» (٣٣٣٨)، والبخاري في «صحيحه» (٥٠٢٧)، وأبو داود في «سننه» (١٤٥٢)، وابن ماجه في «سننه» (٢١١)، والترمذي في «جامعه» (٢٩٠٧، ٢٩٠٨)، والنسائي في «الكبرى» (٨٠٣٧). من حديث عثمان.
وأخرجه الدارمي في «سننه» (٣٣٣٧)، والترمذي في «جامعه» (٢٩٠٩) من حديث علي.

<<  <  ج: ص:  >  >>