فلما كان يوم الجمعة حادي عشر رمضان الموافق لأول أيام النسيء زاد الله في النيل المبارك خمس أصابع، فسر الناس بهذه الزيادة، وقد تأخر عن الوفاء ست أصابع، فكانت مدة توقفه عن الزيادة ثمانية أيام متوالية، حتى يئس الناس من طلوعه في هذه السنة.
ثم في ليلة السبت وفي الله الستة عشر ذراعا وفتح السد في يوم السبت ثاني عشر شهر رمضان الموافق للثاني من أيام النسيء، فأوفي الله الستة عشر ذراعا وأصبعين من السابع عشر، وقد فات الوفاء عن ميعاده حتى مضت مسري، ودخلت أيام النسيء
ولكن تقدم أن النيل تأخر عن الوفاء إلى سادس أيام النسيء، وذلك في سنة أربع وتسعين وستمائة، وبلغت الزيادة في تلك السنة ستة عشر ذراعا ثم هبط سريعا ولم يثبت، فشرقت البلاد، ووقع الغلاء. واتفق مثل ذلك أن النيل وفي في آخر أيام النسيء، في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وكان نيلا شحيحا لم يثبت، وشرقت البلاد، ووقع الغلاء. نقل ذلك الشيخ جلال الدين السيوطي رحمة الله عليه.
فلما وفي النيل نزل ملك الأمراء من القلعة وتوجه إلى المقياس، وخلق العمود، ونزل في الحراقة وفتح السد، وكان يوما مشهودا، كما وقع له في السنة الخالية. وكان الوفاء على غير القياس مما جرى على النيل في هذه السنة، وقد قال الناصري محمد بن قانصوه بن صادق وأجاد حيث قال في المعنى:
الحمد لله زاد النيل وانشرحت … صدورنا وأرانا بشره فرحا
والقلب أصبح بعد الكسر منجبرا … والأمر أمسى عقيب الضيق منفسحا
وقال آخر:
تهتك الخلق بالتخليق قلت لهم … ما أحسن الستر قالوا العفو مأمول
ستر الآله علينا لا يزال فما … أحلى تهتكنا والستر مسبول
وفي يوم الأربعاء سادس عشر رمضان كان أول النوروز، وهو أول يوم من السنة القبطية، وهي سنة ست وعشرين وتسعمائة خراجية، ففي ذلك اليوم زاد الله النيل المبارك سبع أصابع، فأوفي الله السبعة عشر ذراعا وأصبعا من الذراع الثامن عشر، فسر الناس بذلك.