للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قدّموا كتاب ملك الحبشة، قيل إنه فى ضمن غلاف من الفضة وقيل من الذهب، فلما قرئ على السلطان وجد فيه ألفاظا حسنة ونعتا عظيما للسلطان، وأن قصّادنا أتوا إلى مصر ليزوروا القيامة (١) التى بالقدس فلا تمنعوهم من ذلك. فاستمرّوا على أقدامهم واقفين نحو خمس درج حتى قرأوا كتابهم ثم انصرفوا ونزلوا من القلعة، فرسم لهم السلطان بأن يقيموا فى ميدان المهارة الذى بالقرب من قناطر السباع إلى أن يسافروا، وأرسل لهم خياما ضربت لهم من داخل الميدان، ووكّل بباب الميدان جماعة من المماليك يمنعون من يدخل إليهم من العوام، فلما نزلوا من القلعة نزل معهم الوالى والمهمندار وجماعة من الرءوس النوب فوصّلوهم إلى الميدان خوفا عليهم من العوام أن يرجموهم (٢)، فكان لهم يوم مشهود. فإن قصّاد ملوك الحبشة لا يدخلون إلى مصر إلا قليلا، فإن بلادهم بعيدة، حتى قيل إن هذا القاصد له تسعة أشهر مسافر حتى دخل إلى مصر. ثم إن القاصد أرسل إلى السلطان تقدمة لم تكن كبيرة أمر، قيل قوّمت بنحو خمسة آلاف دينار أو دون ذلك، فلما عاينها وبّخ الذى طلع بها وأحضر له قوائم بهدايا ملوك الحبشة إلى الملوك السالفة مثل الأشرف برسباى والظاهر جقمق والأشرف قايتباى وغير ذلك من الملوك، وأحضر له عدّة تواريخ بذكر هدايا ملوك الحبشة إلى ملوك مصر فقرئت عليه، ولكن ضعف أمر ملوك الحبشة بالنسبة إلى ما كانوا عليه من قديم الزمان، حتى نقل بعض المؤرّخين أن كان لملوك الحبشة على النيل ستّين مملكة لا ينازع بعضها بعضا فيما بأيديهم من الأراضى التى هناك، والآن قد ضعف أمرهم بالنسبة لما كانوا عليه من قبل ذلك. وقد أرسل بعض ملوك الحبشة تقدمة للملك الناصر محمد بن قلاون فى سنة اثنتى عشرة وسبعمائة، فقوّمت تلك التقدمة بمائة ألف دينار أو أكثر من ذلك حتى عدّت من النوادر. ثم إن قاصد الحبشة أقام فى الميدان ثلاثة أيام وسافر هو ومن معه من الحبشة إلى القدس ليزوروا القيامة (١).

وفيه حضر الأمير طومان باى الدوادار، وقد تقدّم القول على أنه سافر إلى جهة


(١) القيامة: القمامة.
(٢) أن يرجموهم: أن لا يرجموهم.