للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلادهم بعيدة ومالهم شغل فى مصر؛ فلما حضر هذا القاصد عمل له السلطان موكبا بالحوش من غير شاش ولا قماش كما تقدّم للأشرف قايتباى، فجلس السلطان على المصطبة التى أنشأها بالحوش ونصب على رأسه السحابة الزركش، واصطفت الأمراء عن يمينه وعن شماله وكل واحد منهم فى منزلته، ثم طلع القاصد من الصليبة وصحبته الأمير أزدمر المهمندار وجماعة من الرءوس النوب والمماليك السلطانية وغير ذلك، وكان القاصد معه من أعيان أمراء الحبشة نحو خمسة أنفار والبقية لبط، وفيهم من هو عريان مكشوف الرأس وعلى رأسه شوشة بشعر، وفيهم من فى أذنه حلق ذهب قدر القرصة وفى أيديهم أساور ذهب، وأما القاصد الكبير ذكروا على أنه ابن أمير كبير الحبشة، وقيل إن أباه هو الذى حضر فى دولة الأشرف قايتباى، فكان على رأسه خوذة مخمل أحمر وفيها صفائح ذهب وفيهم بعض فصوص، وعلى رأس الخوذة درّة كبيرة مثمّنة، وعليه شاياه حرير ملون، وعلى بقية أعيان أمراء الحبشة شايات حرير ملون وعلى رءوسهم شدود حرير، وذكروا أن فيهم شخصا شريفا، فكان مجموع ذلك الحبشة الذين حضروا إلى مصر نحو ستمائة إنسان، وأوساطهم مشدودة بحوايص كهيئة الزنانير، وكان معه لماشقوا من الصليبة طبلين على جمل يضربون عليها، وكان صحبتهم البترك الكبير وعليه برنس حرير أزرق وخلفه طراز ذهب، واصطفت جميع النصارى الذين فى مصر للفرجة عليهم، وكان أعيانهم راكبة على خيول والبقية مشاة، فطلعوا إلى القلعة من سلمّ المدرّج، والبترك ماش (١) قدامهم، فلما وصلوا إلى باب الحوش كان صحبتهم كراسى حديد عالية وقصدوا يجلسون عليها بحضرة السلطان فما مكّنوهم الرءوس نوب من ذلك ووقع فى أيام الأشرف قايتباى مثل ذلك وطلعوا معهم بكراسى فما مكّنوهم من الجلوس عليها بحضرة السلطان.

فلما وصل هذا القاصد إلى باب الحوش قبّل الأرض، فلما وصل إلى أوائل البساط قبّل الأرض هو ومن معه من أعيان الحبشة، ولم يدخل قدّام السلطان غير سبعة أنفس والبقية لم يدخلوا، فلما قربوا من السلطان قبّلوا الأرض بين يديه ثالث مرّة،


(١) ماش: ماشى.