للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى حقّ السلطان بسببه (١) فإنه كان جميل الصورة، فلما تغيّر خاطر السلطان عليه طلبه وبطحه بين يديه وضربه ضربا مبرحا ورسم بنفيه إلى الواح فنفى، فكان كما يقال فى المعنى:

إيّاك أن تفرط فى حق من … يعرف بالجود فقد يحنق

ولا تقل ذا حلمه واسع … فالماء إن سخّنته (٢) يحرق

وفيه تسحّب من البرج الذى بالقلعة أربعة أنفار منهم شيخ العرب ابن مهنا وآخرون من العربان، فلما تسحّبوا قبض شيخ العرب ابن بغداد على ابن مهنا الذى تسحّب من البرج، فقطع رأسه ورأس آخرين ممن تسحّب معه وأرسل بهم إلى السلطان.

وفى ربيع الآخر كان ختم ضرب الكرة، وعزم السلطان على الأمراء ومدّ لهم أسمطة حافلة وجلس فى المقعد الذى أنشأه بالميدان عن قريب. - وفى يوم الخميس رابعه طلع قرقد بيك بن عثمان إلى القلعة واستأذن السلطان فى عوده إلى بلاده فأذن له فى ذلك، وأخلع عليه خلعة سنيّة وهى منسوجة بالذهب شغل القاعة، ونزل من القلعة فى موكب حافل وصحبته الأتابكى قرقماس وبقية الأمراء المقدّمين وجماعة من الرؤوس النوب، فاستمرّوا معه إلى بولاق فقدّموا له الحراقة التى يكسر فيها السلطان السدّ، وجهّز معه عدّة مراكب فيها زوّادة برسم الإقامات، وأرسل معه السلطان أزدمر المهمندار ونانق الخازن وغير ذلك من غلمان السلطان يستمرّون فى خدمته حتى يصل إلى رشيد، وقد بالغ السلطان فى إكرام قرقد بن عثمان هذا ووقع له معه أشياء غريبة لم تقع لغيره من الملوك السالفة فيما تقدم، ولا وقع قبل ذلك للقان أحمد بن أويس صاحب بغداد لما حضر إلى مصر فى دولة الطاهر برقوق لما حضر بسبب تمرلنك فى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، فما فعل الظاهر برقوق معه كما فعل الأشرف قانصوه الغورى مع قرقد بيك بن عثمان، ولا بالغ فى إكرامه مثله، فإنه رتّب له فى كل شهر ألفى دينار (٣)


(١) بسببه: بسبه
(٢) سخنته: صخنته
(٣) ألفى دينار: ألفان دينار.