للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدرب الذى تجاه (١) المدرسة الصرغتمشية، وتوجّه من هناك إلى بولاق، وطلع من على جزيرة الفيل، ثم خرج إلى الفضاء وقصد التوجّه إلى نحو البلاد الشامية، ودخل خانقة سرياقوس ولم يقم بها، واستمرّ يجدّ السير حتى وصل إلى بلبيس، فلم يتبعه أحد من الأمراء والعسكر حتى خرج وتوجّه إلى البلاد الشامية، وجرى منه أمور يطول شرحها، ولكن يأتى الكلام على بعضها فى مواضعه.

والذى وقع لآقبردى الدوادار لم يقع لمنطاش والناصرى فى أيام الظاهر برقوق، وكان مدّة محاصرته للقلعة واحد وثلاثين يوما، ولم يسمع بمثل هذه الواقعة فيما تقدم من الدول الماضية، قال بعض المؤرخين: لم يقع بمصر من يوم فتحها وهلمّ جرّا مثل واقعة آقبردى الدوادار، فكانت من غرائب الوقائع؛ وفى مدّة المحاصرة كانت الأسواق معطّلة، والدكاكين مقفلة، وامتنع البيع والشراء، ولم تظهر فى تلك الأيام امرأة بالأسواق ولا بالطرقات، وكثر القتل والنهب، وكانت القاهرة مائجة والناس فى أمر مريب.

قيل لما طال أمر هذه الفتنة دخل على الأمير آقبردى جماعة من الفقراء من الرفاعية والقادرية وأحمدية من الصوفية، وقد سألوه بأن يكفّ هذا القتال، وأن يقع بين الطائفتين الصلح، فأبى آقبردى من ذلك؛ ثم نزل إليه مثقال مقدّم المماليك رسولا عن لسان السلطان، بأن يكون الصلح بينه وبين الأمراء على يد السلطان، فأبى آقبردى من ذلك، وكانت (٢) هذه ثالث كسرة وقعت لآقبردى، ولكن هذه كانت آخر العهد به من دخوله إلى مصر، وقاسى شدائد ومحنا يأتى الكلام عليها، فهذا ما كان من آقبردى الدوادار.

وأما ما كان من أمر الأتابكى تمراز فإنه كان مقيما بالبيت الذى بجوار بيت يشبك


(١) تجاه: يجاه.
(٢) وكانت: أضيف بعدها فى ف ما يأتى: وكان دمنيكوا قد فرغ مكحلة وركبها ورمى بها أول حجر فكسر باب السلسلة، فاضطرب من بالقلعة وهجموا على المكحلة ودقوا فيها مسمارا وكانت معيبة، فلما خرقوا منافضها وشمت النار خرج الحجر على حين غفلة، وانكسر آقبردى.