للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أجاهدُ؟ فقالَ: "لَكَ أَبَوانِ؟ " قال: نعم. قال: "فَفِيْهِمَا فَجَاهِدْ" (١). وعن أبي سعيدٍ: أن رجُلًا هاجرَ إلى النبيِّ منَ اليمنِ فقالَ: "هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟ " فقال: أبَوايَ. فقالَ: "أَذِنَا لَكَ؟ " قال: لا. قال: "فَارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُما فَإْنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ وَإلَّا فَبِرَّهُمَا". رواه أبو داود (٢)، ولأن برَّ الوالدينِ فرضُ عينٍ، والجهادُ فرضُ كفايةٍ، والعينُ مقدَّم. وإن تعينَ الجهادُ على واحدٍ فيسقطُ إذنُهما وإذنُ الغريمِ (٣).

تتمة: لا طاعةَ للوالدينِ في تركِ فريضةٍ لتعلمِ علمٍ واجبٍ يقومُ به دينُه، ولو كانَ بسفرٍ من غيرِ إذنِهما (٤). ولا يعتبرُ إذنُ جَدٍّ ولا جدَّةٍ (٥)؛ لَاقتصارِ الخبرِ على الأبوينِ. وتحريمُ القتالِ في الأشهرِ الحُرُمِ رجبِ وذي القَعدَةِ والمحرمِ منسوخٌ (٦). وهو قولُ الأكثرِ (٧)؛ لقولِه تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ (التوبة: ٥)، وبغزوِه الطائفَ (٨). واختارَ في "الهديِ":


(١) متفق عليه. أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين (٥٩٧٢) ٥/ ٢٢٢٨، ومسلم في كتاب البر والصلة، باب بر الوالدين وأنهما أحق به (٢٥٤٩) ٤/ ١٩٧٥.
(٢) أخرجه في كتاب الجهاد، باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان (٢٥٣٠) ٢/ ٢١.
وأخرجه أحمد في المسند، وفيه: فقال له: "هَجَرْتَ الشِّرْكَ، وَلَكِنَّهُ الجِهَادُ". (١١٧٢١) ١٨/ ٢٤٨، وبنحوه البيهقي (١٨٢٨٧) ٩/ ٢٦. وحسنه الهيثمي في مجمعه ٨/ ٥٥، وصححه ابن حبان ٢/ ١٦٥، والحاكم في المستدرك ٢/ ١١٤، لكن تعقبه الذهبي بأن في إسناده "درَّاج" وهو واهٍ، ووافقه الألباني، لكنه صححه بمجموع طرقه في الإرواء ٥/ ٢١.
(٣) لكن يُستحب للغريم أن لا يتعرض لمظان القتل كالمبارزة والوقوف في أول المقاتلة؛ لأن في ذلك تغريرًا بتفويت الحق. انظر: الوجيز ١٥٥، الهداية ١٣٤، الكافي ٤/ ٢٥٥، معونة أولي النهى ٣/ ٦٠٢.
(٤) انظر: المغني ١٣/ ٢٦، المستوعب ٣/ ١٤٧، الفروع ١٠/ ٢٤٠.
(٥) انظر: الإنصاف ٤/ ١٢٣، الإقناع ٢/ ٦٩، شرع منتهى الإرادات ١/ ٦٢١.
(٦) النسخ لغة: الرفع والنقل والتحويل. واصطلاحًا: رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخ. وهو جائز وواقع عند جميع المسلمين في شريعتنا، ولا يتحقق النسخ إلا مع التعارض، فأما مع إمكان الجمع فلا. انظر: التمهيد ٢/ ٣٣٥، المسودة ٢٠٦، شرح الكوكب المنير ٣/ ٥٢٦.
(٧) وهو قول المذاهب الأربعة. وهذا في جهاد الطلب. أما في جهاد الدفع فيجوز إجماعًا. وانظر في المسألة: زاد المعاد ٣/ ٣٠١، الفروع ١٠/ ٤٧، غاية المنتهى ١/ ٤٤٢، كشف المخدرات ١/ ٣٤٤.
(٨) بعد أن فتح النبي مكة، بقي فيها تسع عشرة ليلة يقصر الصلاة، ثم خرج إلى هوازن، وقد بقي من شوال عشرين يومًا، ففتح الله عليه هوازن، ثم ذهب منها إلى الطائف، فحاصرها بضعًا وعشرين ليلة، وفي مسلم: "أربعين ليلة". فهذا يقتضي أن يكون بعض =

<<  <  ج: ص:  >  >>