للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك نقل عبد الله: قال سألت أبي عن حديث أبي مسعود: أتي النبي بنبيذ صلب ثم صب عليه ماء فشرب، قال: ما رواه غير يحيى بن يمان ليس كما قال ابن يمان (١).

وجواب آخر: وهو أن الحديث إن صح لم يكن فيه حجة من وجهين:

أحدهما: أن نبيذ السقاية كان نقيع الزبيب غير مطبوخ، وليس من عادتهم طبخ النبيذ، وهو حرام باتفاقنا جميعا، فلم يصح المتعلق به (٢).

والثاني: أنه يحتمل أن يكون تقطيبه كان من حموضته ورائحته لا من مرارته وغليانه، فلذلك قطب وصب عليه الماء (٣).

فإن قيل: لا تخلو تلك الحموضة من أن تكون هي الغالبة على طعمه فتكون خلا، فيستحيل حينئذ قول القائل: "أتي بنبيذ"؛ لأن الخل ليس بنبيذ أو يكون قد ابتدأ فيه اليسير من طعم الحموضة، فهذا لا يكون إلا بعد بلوغ نهايته في الشدة والغليان والمرارة؛ لأن المرارة والشدة تنتقل إلى الحموضة، فكيف تصرفت الحال؟ فقد حصل منه شرب النبيذ الشديد (٤).

ويدل عليه: قوله في الخبر: "إذا اغتلمت (٥) عليكم هذه الأشربة، فاكسروا متونها بالماء" (٦)، وهذا لا يكون من الحموضة، وإنما يكون من الغليان والشدة (٧).

قيل: الخبر محمول على أن الحموضة هي الغالبة على طعمه، وتسميته نبيذا على طريق المجاز، ومعناه: كان نبيذا.


(١) لم أقف على هذه الرواية عن عبد الله، وينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (١/ ٤٠٣)، رقم (١٩٠٣)، المغني (١/ ١٠)، المبدع (٧/ ٤٢١).
(٢) ينظر: الحاوي الكبير لمحمد بن الحسن، (١٣/ ٤٠٣)، والمحلى لابن حزم (٥/ ٢١٧).
(٣) ينظر: الإنصاف (١٠/ ٢٣٦)، المغني (١/ ١٠)، الحاوي (١/ ٤٧).
(٤) ينظر: بدائع الصنائع (٥/ ١١٦)، البحر الرائق (٨/ ٢٤٧).
(٥) اغتلمت: اشتدت واضطربت، وذلك عند الغليان.
ينظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول (٥/ ١٢٢)، لسان العرب (١٢/ ٤٣٩).
(٦) وهو تمام حديث أبي مسعود السابق، وقد ذكره بتمامه الدارقطني في سننه (٤/ ٢٦٤)، كتاب الأشربة، رقم (٤٦٧٩)، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٥/ ٨١) من حديث ابن عمر برقم (٢٣٨٦٧) والنسائي في سننه، واللفظ له برقم (٥٦٩٤).
(٧) ينظر: الاختيار (٤/ ١٠١)، البناية، (١٢/ ٣٨٣)، المبسوط (٢٤/ ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>