رَسُولَ اللَّهِ: أَأَضْرِبُ الْمَلَا؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: آا «تَقُولُ الْعَرَبُ: ضَرَبْتُ فِي الْأَرْضِ:
إِذَا سَافَرْتُ، وَضُرِبَتِ الْأَرْضُ: تُغُوِّطَ فِيهَا.
فَكَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ أَبُولُ فِي الصَّحَرَاءِ إِذَا سَافَرْتُ؟ هَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ قَالَ: نَعَمْ كَنَى عَنْهُ أَنِ افْعَلْ، وَشَبِيهٌ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ، مِنَ الْحَذْفِ وَالِاجْتِزَاءِ بِبَعْضِ الْكَلِمَةِ أَنَّ أَخَوَيْنِ كَانَا لَا يَتَلَاقَيَانِ فِي كُلِّ حَوْلٍ إِلَّا مَرَّةً فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَلَا تا، فَيَقُولُ الْآخَرُ بَلَى: فا، يُرِيدُ الْأَوَّلُ: أَلَا تَرْحَلُ، فَيَقُولُ الْآخَرُ: بَلَى فَأَفْعَلُ قال الشاعر:
بالخير خيرات وإن شرا فا ... وَلَا أَخَافُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تأا
وَإِنَّمَا هَمَزَ، لِأَنَّ الْقَوَافِيَ عَلَى الْعَيْنِ فَجَعَلَ الْهَمْزَةَ بِإِزَائِهَا، وَأَوَّلَهَا:
إِنْ شِئْتِ يَا أَسْمَاءُ أَشْرَفْنَا معا ... بالخير خيرات وإن شرا فأ
وَالْمَلَأُ: الْخَلْقُ أَيْضًا مَهْمُوزٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:
تَنَادَوْا يَآلَ بُهْتَةَ يَوْمَ صِدْقٍ ... فَقُلْنَا أَحْسِنِي مَلَأً جُهَيْنَا
وَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَتَخَاصَمُونَ فَقَالَ: «أَحْسِنُوا مَلَاءَكُمْ» وَمَلَاكُمْ: عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، أَيْ: أَخْلَاقَكُمْ وَكَتَبُوا فِي سُورَةِ قَدْ أَفْلَحَ، (قَالَ الْمَلُو) بِوَاوٍ وَالْقِرَاءَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا بِالْهَمْزِ، وَإِنَّمَا أَرَى كَتَبُوهُ بِالْوَاوِ، لِأَنَّ الْهَمْزَةَ إِذَا كَانَتْ مَضْمُومَةً وَقَبْلَهَا فَتْحَةٌ تَصِيرُ فِي الْوَقْفِ عِنْدَ الْإِخْفَاءِ وَتَلْيِينِهَا كَالْوَاوِ، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كُتِبَ لَفْظُ الْمَلَأِ بِهِ مَوْصُولًا مَهْمُوزًا فَكُتِبَ هَذَا عَلَى الْوَقْفِ، وَذَلِكَ عَلَى الْوَصْلِ، كَمَا كَتَبُوا «شُفَعَاوُ» وَ «ضعفاو» و «يا بنوم» بالواو كل ذلك.
- وقوله تعالى: {أوأمن أَهْلُ الْقُرَى}.
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ جَعَلُوهُ نَسَقًا: كَقَوْلِكَ: لَقِيتُ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: «أَوَ أَمِنَ» بِفَتْحِ الْوَاوِ جَعَلَهَا وَاوًا وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، لِأَنَّهُ مِثْلُ قَوْلِهِ: «أَفَأَمِنْتُمْ».
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ فِي الصَّافَّاتِ وَالْوَاقِعَةِ سَاكِنَةً أَيْضًا، وَفَارَقَهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي هَذَيْنِ.