للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن مبدئياً نقول: إن من أنكر المعراج، أو تأوله بأنه بالروح أو غير ذلك بناءً عَلَى أن العقل ينفيه، نستطيع أن نطلق عليه الضلال، لأن كلمة الضلال تشمل الكفر ولا تقتضيه بالضرورة، فالضلال يطلق عَلَى الخروج عن الطريق المستقيم عامة، فيدخل فيه الكفر وقد لا يقتضيه بالضرورة، فقد لا يكون الإِنسَان كافراً وإن كَانَ ضالاً، وكذلك الفسق، كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:٣٤] وفي آية: فَفَسَقَ [الكهف:٥٠] .

إذاً: الفسق قد يطلق عَلَى معنى الكفر، فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّه [الكهف:٥٠] أي: كفر به وخرج عنه، والخروج عن أمر الله قد يكون خروجاً كلياً وقد يكون خروجاً عن الاتجاه المستقيم إِلَى البدع والضلالات، ومن أطلق عليهم الضلال، فإنه لا يعني أنه ينفي عنهم الكفر، لكن أطلق عليهم أو حكم عليهم بالحكم الذي يرى أنه قد يعفيه من تبعة إقامة الحجة، وهم بلا شك عَلَى ضلال، لكن إذا محصت الأدلة، وقامت الحجة، فإن من ينكر الإسراء والمعراج أو أحدهما يكون كافراً.

<= (١١,١٩٢٤) فالجهمية وبعض المعتزلة قد ينكرون المعراج، لكن غالبهم أو بعضهم يثبت الإسراء، لأنه جَاءَ في القرآن. ثُمَّ يؤول المعراج بأنه كَانَ في المنام، أو أنه بالروح، أو ما أشبه ذلك، لدلالة أن العقل يمنع أن بشراً يخترق هذه السماوات ثُمَّ يعود في ليلة، هذه شبهتهم وهذا دليلهم، كما أولوا العلو بنفس الاستدلال. وقد بينا أن المسألة إذا كانت مجادلة بالعقل، فالمُشْرِكُونَ أيضاً جادلوا، وأنكروا الإسراء والمعراج وَقَالُوا: هذا غير معقول، كيف نضرب إليها أكباد الإبل في الشهر أو الشهرين، ويبلغها في ليلة. وهذه هي شبهة المعتزلة نفسها، أمر مستحيل لا يمكن أن يقع.

<<  <   >  >>