فجملة مَا زَاغَ الْبَصرُ تبين أن العروج ليست بمجرد الروح كما يقولون، بل هي حقيقة واضحة ببصره صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى تلك الآية الكبرى التي أراه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ذلك الموضع، فنستطيع أن تجلي دلالة القُرْآن فتكون دلالته صريحة، ثُمَّ نؤيد ذلك بالأحاديث الكثيرة المتواترة التي تثبت الإسراء والمعراج، فنقول: إن من أنكر المعراج فهو أيضاً كافر بعد بيان الحجة عليه.
ومن المعتزلة من فرق بين الإسراء والمعراج وهذا من الحماقة والغباوة، وهم أعمى من قريش في موضوع الإسراء والمعراج؛ لأن قريشاً لم تجادل فيه، إنما أرادت أن تجادل في الشيء الواضح الذي تعرفه، ولا تعرف خبر السماء، ولا تدري ما هي سدرة المنتهى ولا أي شيء، لكنها تعرف بيت المقدس، وتعرف أن المسافة إليه قد تصل إِلَى شهر أو شهرين بالإبل، فلما أثبته النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تولوا وأفحموا ولم يستطيعوا أن يستمروا في المناظرة ولا في المحاورة، لكن هَؤُلاءِ المعتزلة وأمثالهم فتنوا كما قال الله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاس [الإسراء:٦٠] فُتنوا كما فتن بعض دعاة الإيمان، وكذلك المُشْرِكُونَ الذين فتنوا بها.
فبعض الْمُشْرِكِينَ ازداد بعداً عن الإيمان لما سمع بقصة الإسراء والمعراج، لأن موضوع النهي عن عبادة الأصنام لأنها حجارة لا تضر ولا تنفع كل هذا كلام عقل، لكننا الآن دخلنا في متاهة أخرى وهي موضوع السماوات، فازداد بُعداً عن الإيمان، ومن ضعاف الإيمان من كَانَ قد أعلن إسلامه، فلما جاءت هذه الحادثة تركه وتخلى عنه، وهَؤُلاءِ المعتزلة وأمثالهم الذين أخذوا يمارون ويجادلون في مسألة الإسراء والمعراج، فحكمهم -إذا أقمنا الحجة عليهم- أنهم يكفرون بعد ذلك، وهذا هو القول الذي لا يجوز العدول عنه إِلَى قول آخر.