الفخر الرازي ينكر العلو عَلَى مذهب الفلاسفة، كما ذكر ذلك في أساس التقديس، وهو من المصرحين بالقول: بأنه لا داخل العالم، ولا خارجه، وأن إثبات الجهة يخالف دين الإسلام، وهو مما يجب أن تؤول الأدلة فيه، ويقول وهو في مجال النسيان والغفلة والذهول عما قرره فيأساس التقديس وغيره من إنكار العلو:(إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رفع محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كَانَ منه قاب قوسين أو أدنى، وخسف بقارون حتى تجلجل في أعماق الأرض) وهو يتحدث عن موضوع: كيف أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يرفع من يشاء ويخفض من يشاء!! فنسي أنه هو الذي يقول: إن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لا يثبت له العلو.
إذاً: هناك بُعدٌ عنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وهناك قرب منه، فهذا الذي كتبأساس التقديس، وهو الذي دافع الدفاع الطويل العريض لإثبات أن تأويل آيات وأحاديث العلو ضرورة شرعية لابد منها وقع في التناقض، وتأبى الفطرة إلا أن تظهر نفسها، وتقر بأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عالٍ عَلَى جميع المخلوقات.
وكذلك قصة أبي جعفر الهمداني مع أبي المعالي الجويني عندما كَانَ أبو المعالي الجويني يخطب عَلَى المنبر فسئل عن العلو، فقَالَ: كَانَ الله ولا عرش، وهو الآن عَلَى ما عليه كان، أي: أنه تَعَالَى لا يحتاج إِلَى العرش، ولا يحتاج إِلَى مكان ولا يحتاج إِلَى زمان، فإذاً ليس هو مستوٍ عَلَى العرش، وليس هو عالٍ فوق المخلوقات، وكانأبو جعفر الهمداني رَحِمَهُ اللَّهُ جالساً بين القوم في الحلقة، فَقَالَ له أيها الشيخ: دعنا من الجدال ومن قضية العلو والحاجة إِلَى العرش وعدمها، ولكن ما هذه الضرورة التي يجدها الإِنسَان في نفسه إذا أراد أن يدعو الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فإنه لا يتجه إلا إِلَى السماء إِلَى جهة العلو؟ فكيف ندفع هذه الضرورة؟