فلا ينفي الرؤية وإنما ينفي الإحاطة به إدراكاً، وإثبات ضد ذلك هو كمال العظمة، وأنه أعظم شيء وأكبر من كل شيء، فلا تدركه الأبصار؛ ولأنه قد يظن بعض النَّاس بإثبات الرؤية أن الرائين يحيطون به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إدراكاً إذا رأوه؛ فجاء نفي الإدراك والإحاطة، فلا تدركه الأبصار لكمال عظمته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والإحاطة بالشيء قدر زائد عَلَى الرؤية.
واستدل المُصْنِّف عَلَى ذلك باستدلال واضح وهو قوله تعالى: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:٦١] .
فلما رفض فرعوندعوة نبي الله موسى عَلَيْهِ السَّلام أن يرسل معه بني إسرائيل وجادله بالمجادلة المعروفة في سورة الشعراء، وأرسل فرعون وحشر الجند والجمع وقَالَ: إِنَّ هَؤُلاءِاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ [الشعراء:٥٤،٥٥] واستثار فرعون الشعب ضد هَؤُلاءِ القلة، وهم بني إسرائيل وموسى عَلَيْهِ السَّلام فخرج موسى كما أمره ربه ببني إسرائيل فأتبعهفرعون وجنوده، وهرب بنو إسرائيل وأولئك عَلَى آثارهم فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ يعني: لما رأى بعضهم بعضاً، رأى قومفرعونأصحاب موسى، ورأى أصحاب موسى جيش فرعون.
في هذه اللحظة بالحسابات المادية المجردة انتهى موضوع قوم موسى، لأن الجيش العرمرم القوي الفرعوني سوف يسحقهم، ليس هناك إمكان للنجاة، ولهذا قال أصحاب موسى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قضي علينا وانتهى أمرنا، فحصلت الرؤية ولكن لم يحصل الإدراك، فهم متراؤن يرى بعضهم بعضاً، قَالَ: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:٦٢] قد رأونا ولكن لن يدركونا.