وهذا مما أوجب أن يحكم العلماء بالإجماع عَلَى كفرهم، حتى المعتزلة والأشاعرة وغيرهم يكفرونهم فهم خارجون عن ملة الإسلام والعياذ بالله، متبعون لمذهب بعض كفار اليونان، يقولون:"إن الله لا تدركه العقول فلا يوصف الإله بشيء فلا يُقَالَ: موجود ولا غير موجود".
فالنفي المحض العدمي هو من شأن هَؤُلاءِ الإسماعليين، وغلاة الجهمية شاركوهم في ذلك، فلا يصفون الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إلا بالصفات السلبية، ولا يثبتون الصفات الثبوتية، فيقولون: الله ليس بجاهل، ولا يقولون: عالم، فهم يظنون أن الإثبات يدل عَلَى حقيقة وصفة لا يستطيعون إدراكها، وهذا من الإفك والافتراء عَلَى الله عزوجل.
وأولئك الذين لا يصفونه إلا بالعدم المحض، والذين يصفونه بغير صفاته، ويثبتون له الصاحبة والولد، أو يشبهونه بأصنامهم ومعبوداتهم، أو يقولون بأن يده مغلولة، وما أشبه ذلك، رد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عليهم بالمنهج الذي ذكرناه بالقاعدة المذكورة، وهي: " أنه يأتي بالنفي المتضمن مدحاً، ولذا قال المصنف:[فلم يمتدح بعدم محض لم يتضمن أمراً ثبوتياً؛ لأن المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه] .
أي: إذا كانت الصفة عدم محض فإنه لا يوصف بها شيء موجود فضلاً عن الذي هو في كمال الوجود سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأن العدم المحض هو صفة الشيء المعدوم الذي لا وجود له، فكيف يجعل هذا الذي لا وجود له مطلقاً مثل الذي له كمال الوجود، هذا لا يليق بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وعلى ضوء هذه القاعدة نفهم هذه الآية وندرك الاستدلال بها عَلَى خلاف فهم المعتزلة فمعنى قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به، لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فهذا نفي يتضمن كمال عظمته وكبريائه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أي أنه لكمال عظمته لا يدرك بحيث يُحاط به.