الخامس: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قادر عَلَى أن يجعل الجبل مستقراً وذلك ممكن وقد علق به الرؤية فالله تَعَالَى قادر عليه وليس بمحال أن يجعل الجبل مستقراً يعني: في تلك اللحظة لما قال الله عَزَّ وَجَلَّ لموسى: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي وبهذا يكون هناك بقية الأمل عند موسى عَلَيْهِ السَّلام، فلو استقر الجبل -وهذا ممكن- فسيرى ربه، فهناك نوع من الأمل ممكن أن يتحقق، وليس هناك نفي للوقوع مطلقاً فتعليقه بأمر ممكن غير تعليقه بأمر محال عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ، كما لو قَالَ: إن استقر الجبل فسوف آكل أو فسوف أنام أو أشرب أو غير ذلك مما تنزه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنه، [والكل عندهم سواء] فكونه عندهم يُرى مثل كونه: يأكل أو ينام أو يسهو أو يغفل تَعَالَى الله عن ذلك علواً كبيراً.
السادس: قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد تجلى للجبل، فلما تجلى للجبل وهو مخلوق جماد لا ثواب له ولا عقاب عليه، فتجليه سبحانه لأوليائه ولأهل كرامته ولأحبائه وعباده الصالحين أمر ممكن ولا يجوز ولا يصلح بأي حال من الأحوال أن نجعله من قبيل المحال.
السابع: أن الله تَعَالَى كلم موسى وناداه وناجاه، ومن جاز في حقه التكليم جاز في حقه الرؤية؛ لأن كلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لموسى وخطابه له أمر عظيم فإذا جاز ذلك فلا يمتنع أن يكشف الحجاب فيراه، ولتلازمهما نفت المعتزلة والجهمية الكلام والرؤية معاً.
لا يستغرب أن أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذين لا يريدون الحق، ولا يريدون الهدى يبحثون عن أية شبهة مهما كانت ضعيفة أو بعيدة لتساند بدعتهم.