الإفرنج عَلَى تغاليهم بالبحث عن شؤونهم الداخلية وعاداتهم ورجالهم وأعمالهم وبلادهم لا يغفلون عن شؤون غيرهم وقد أصاب بلادنا حظ وافر من عنايتهم فكانت بلاد العرب أو مصر والسام والجزيرة والعراق واليمن والحجاز ومراكش والجزائر وتونس وطرابلس وبرقة موضوع أبحاثهم العلمية والأثرية والتاريخية والاقتصادية مما نخجل من كثرته إذا سمعنا بأسمائه ولا نكاد نجد الفرد والفردين منا يتوفرون عَلَى البحث في النافع من حالات بلادنا وآخر ما كتب عن الأرض المقدسة رحلة للمسيو كومز كاريللو ذكر البلاد التي نشأ منها عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام وزارها وكان زار من قبل بلاد اليونان والصين واليابان وكتب فيها رحلات كثيرة وقد وصف مسيره من دمشق وما رآه من جلالة موكب الحجاج القاصدين إلى بيت الله الحرام فوصف الأماكن التي حط فيها رحاله حتى بلغ القدس وقال أنه لم يبق من طبرية عاصمة الأردن غير خرائب وقصور هيرودوت والبحيرة المقدسة ووصف قنا والناصرة وما يتخلل تلك الربوع من الجلال والجمال الروحاني وذكر في رحلته ما تهم معرفته من أحوال البلاد ولم يكثر من التفاصيل المملة وقال أنه بات في قصر أحد باشاوات سورية واستغرب من عظمة ذاك القصر كيف لم تكن فيه امرأة تؤنس ربعه وتدخل السرور عَلَى ساكنيه.
وقد وصف مواكب الحجاج من دمشق وقال أنهم مجموعة منوعة من العادات واللغات والقوميات وأن التركي يريد العثماني - والعثمانيون كما قال أكثر المسلمين تأثراً بالمدنية الغربية - يضع عَلَى رأسه منديلاً أبيض مزيناً بالزهور يجعله عَلَى طربوشه ثم وصف الفارسي والعربي وعبابه وأبناء جبل طوروس والتتر من أهل تفليس وأزوف وسباستابول وغيرهم وقال لابد أن يكون بينهم من يملك القصور الفخمة والحدائق الغناء ويعيش عيش الكبراء في الرخاء ومع هذا إذا قصدوا إلى الأماكن الطاهرة يتناسون كل هذا العيش الخضال ويساوون الفقراء من الحجاج في مآكلهم التي لا يوجد منها إلا الجشب الغليظ في البادية وينامون في العراء لا يبالون بحماوة القيظ ولا صبارة القر وعجب الرحالة من قوم لا تربطهم جامعة غير رابطة الإيمان وقال ما أعجب صفوفهم وكتائبهم وهي تسير عَلَى