للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المستنير فلقنت أناساًَ من بلاد مختلفة قيمة الإنسان ولم يبرحوا يذكرونها بعملها فهي تعرف نفسها شريفة بين الأمم معم إن العالم حولها قد تغير كثيراً من نصف قرن فقام شعب بالقرب منا يذكرنا كل حين بلسان البغضاء والقحة بأنه عظيم قوي. ومع أن هذا الشعب عظيم وقوي فإن فرنسا التي تهدد أحداً لا تخاف أحداً بتاتاً بل تعلم إنها فرنسا عَلَى كل حال.

الإفرنج والنزهات

لا تكاد تطلع عَلَى صحيفة سياسية وعلمية من صحف الإفرنج في الصيف غلا وتجدها ملأى بوصف المنتزهات والحمامات والجبال والبحيرات والغابات وأخبار الرحلات الخاصة منهم إلى الأصقاع ذات البهجة والرياض الممرعة الخصيبة فمن قائل مثلاً أن جان جاك روسو الفيلسوف هو الذي سن للفرنسيس سنة التنقل في البلاد وحبب إليهم عيش الخلاء وعشق الطبيعة ومن مدع أن برناردين دي سان بيير هو داعية ذلك ومن زاعم أن شاتو بريان كان أمتن وأحكم في دعوته ومن قائل أن من حبب الحمامات البحرية إلى الناس هما الأب بوهورس ومامونتل ومن حبب التصعيد في الجبال هو لاروشفو كولد الحكيم والخلاصة فإن للغربيين غراماً في الطبيعة يريدون أن يرجعوا إليها في مآكلهم وملابسهم وأجسامهم ومنامهم ورياضتهم. وكل واحد من خاصتهم يبحث في فرع من هذه الفروع ويتفانى في حث قومه عَلَى جلب المصالح ورد المفاسد والأخذ بحظ وافر من هذا الوجود اغتناماً للصحة قبل المرض واستدامة للنعمة والرخاء والرفاهية وحباً بصد الناس عن غشيان المدن الكبرى مخافة أن تفرغ الحقول والقرى لأن سكنى العواصم مضر بالصحة مضعف للأبدان مقصر للأعمار وعمران هذا العصر في عواصمه عَلَى كثرة ما فيها من أنواع الراحة والرفاهية أقرب إلى إفساد الصحة وإنهاك القوى مما كان في العصور السالفة ومكيف يطيب الهواء في مدينة كباريز سكانها ثلاثة ملايين ولندرا سكانها سلعة ملايين هذا ما يخوض أدباء الغرب وعلماؤه عبابه فما قول سادتنا الخاصة في مصر والشام والعراق وتونس فمن منهم خاض في مثل هذه الموضوعات وحبب إلى الناس النزهات والرحلات عَلَى طريقة الغربيين ليحبب إليهم أوطانهم ويعرفهم رجالهم ويبحث عن أمور لا يتيسر لكل إنسان أن يحصل عليها ويتعب المفكرون في جمعها ونشرها