مجمل، تفسيره أفعاله التي ذكرناها، لا يجوز لأحد أن يأخذ الأخبار التي فيها ذكر سجدتي السهو قبل السلام، فيستعمله في كل الأحوال، ويترك سائر الأخبار التي فيها ذكره بعد السلام، وكذلك لا يجوز لأحد أن يأخذ الأخبار التي فيها ذكر سجدتي السهو بعد السلام، فيستعمله في كل الأحوال، ويترك الأخبار الأخر التي فيها ذكره قبل السلام، ونحن نقول: إن هذه أخبار أربع يجب أن تستعمل، ولا يترك شيء منها، فيفعل في كل حالة مثل ما وردت السُّنَّة فيها سواء: فإن سلم من الاثنتين أو الثلاث من صلاته ساهيًا، أتم صلاته وسجد سجدتي السهو بعد السلام، على خبر أبي هريرة، وعمران بن حصين، اللذين ذكرناهما، وإن قام من اثنتين ولم يجلس أتم صلاته وسجد سجدتي السهو قبل السلام، على خبر ابن بحينة، وإن شك في الثلاث أو الأربع يبني على اليقين على ما وصفنا، وسجد سجدتي السهو قبل السلام، على خبر أبي سعيد الخدري، وعبد الرحمن بن عوف، وإن شك ولم يدر كم صلى أصلًا تحرى على الأغلب عنده وأتم صلاته، وسجد سجدتي السهو بعد السلام، على خبر ابن مسعود الذي ذكرناه، حتى يكون مستعملًا للأخبار التي وصفناها كلها، فإن وردت عليه حالة غير هذه الأربع في صلاته، ردَّها إلى ما يشبهها من الأحوال الأربع التي ذكرناها"، قلت: وهذا أقرب الأقوال، واللّه أعلم.
وقال ابن المنذر في الأوسط (٣/ ٣٠٧ - ٣١٣)(٣/ ٥٠٠ - ٥٠٧ - ط. الفلاح)[بتصرف، واختصار]: "افترق أهل العلم في سجود السهو قبل التسليم أو بعده أربع فرق:
فقالت فرقة: سجود السهو كله قبل التسليم، روي هذا القول عن أبي هريرة، وبه قال: مكحول، والزهري، وروي ذلك عن سعيد بن المسيب، ويحيى الأنصاري، وربيعة، والأوزاعي، والليث بن سعد، وبه قال الشافعي، ومن حجة من قال: السهو قبل السلام: خبر عبد الرحمن، وأبي سعيد الخدري، وابن عباس، وابن بحينة.
وقالت فرقة: سجود السهو كله بعد السلام، وممن روينا ذلك عنه: سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وأنس بن مالك، وابن الزبير، وابن عباس، وروي ذلك عن علي، وعمار، وبه قال: الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وابن أبي ليلى، وسفيان الثوري، والحسن بن صالح، وأصحاب الرأي، وقال أصحاب الرأي: يجزيه أن يسجدهما قبل السلام ولا إعادة عليه، ومن حجة هذا القائل: حديث ابن مسعود، وعمران بن حصين، وأبي هريرة، أن النبي سجد بعدما سلم.
وقالت فرقة ثالثة: كل سهو كان نقصانًا من الصلاة فإن سجوده قبل السلام، وكل سهو هو زيادة في الصلاة فإن سجوده بعد السلام، وهذا قول مالك بن أنس، وبه قال أبو ثور، قال مالك: وتفسير ذلك من السهو - يعني: في الزيادة -: أن ينسى الرجل فلا يدري كم صلى فيبني على يقينه، أو يسهو فيزيد على صلاة بعد أن يتمها، ونحو ذلك، ويجلس موضع القيام، وتفسير النقصان من السهو: أن يقوم الرجل في موضع الجلوس، نحو ما جاء من حديث ابن بحينة، فإنه يسجد فيه قبل السلام، وبه قال إسحاق.