وإنما يكمل أجره بالنِّيَّة للعجز، فيقال: قد دل حديث عبد الله بن عمرو على خلاف ذلك، وأن إتمام أجر صلاة القاعد مع القدرة على القيام خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ففيه: حُدِّثتُ أنك قلت: "إن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم"، وأنت تصلي قاعدًا، قال:"أجل، ولكني لست كأحد منكم"، وهذا قطعًا في النفل دون الفرض، مع القدرة على القيام ولو مع المشقة المحتملة، لذا قال ابن مفلح في الفروع (٥/ ١٢٢): "فيتوجه أنَّه خاص به، وحمله على العذر لا يصح لعدم الفرق"، وقال النووي في الخلاصة (١/ ٣٤٣/ ١٠٣٤): "قال أصحابنا: معناه: ثوابي في النافلة قاعدًا كثوابي قائمًا"، وهو ما ترجم به ابن خزيمة وابن المنذر لحديث عبد الله بن عمرو في اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك.
والمشقة التي تبيح له ترك القيام في الفريضة: هي المشقة غير المحتملة، أو إذا كان لا يقدر على القيام بحال، أما مع المشقة المحتملة فلا يجوز له ترك القيام [قاله الشافعي في الأم (٢/ ١٧٨ - ط. الوفاء)]، وقد سئل أحمد عن المريض متى يصلي قاعدًا؟ قال:"إذا كان قيامه يضعفه ويوهنه، أحب إليِّ أن يصليَ قاعدًا"، وقال:"إذا أطاق القيام صلى قائمًا"، وسأله الكوسج: "متى يصلي المريض جالسًا؟ قال: إذا كان قيامه يزيده وهنًا، ويشتدُّ عليه القيام، ولا يخرج في حاجة من حوائج الدنيا، قال إسحاق: كما قال [مسائل عبد الله (٣٧٦ و ٣٧٧)، مسائل ابن هانئ (٣٦٦ و ٣٦٨)، مسائل الكوسج (٣١٤)]، وعلى هذا فلو صلى الفريضة جالسًا مع المشقة المحتملة بطلت صلاته، فكيف يقال حينئذ بأن له نصف أجر القائم.
وأما ما روي في بعض طرق حديث عبد الله بن عمرو وحديث أَنس أن الحديث ورد في المعذور، حيث روي في بعض طرق حديث ابن عمرو مثلًا: لما قدمنا المدينة نالنا وباءٌ من وعكها شديدٌ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس، وهم يصلون في سُبحتهم قعودًا، فيقال: لا يصح من ذلك شيء يصح الاعتماد عليه في ورود الحديث في المعذور، بل لو كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسًا [كما في حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم، وهو حديث الباب برقم (٩٥٠)]، لو كانت لعذر لما وضع عبد الله بن عمرو يده على رأسه، ولما حصلت له هذه الدهشة، إذ لا وجه للإنكار على المعذور، وبيان ذلك: أن عبد الله بن عمرو كان يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بهم الفريضة قائمًا، ثم رآه بعد ذلك يصلي النافلة قاعدًا، وقد أُخبر بأن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، فحصل له هذا التعجب، لذا أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه ليس كأحد منهم، وأن أجره قاعدًا كأجره قائمًا، ولو كان جلوسه لعذر أو مرض لما احتاج إلى هذا التخصيص، والله أعلم.
ويأتي نقل كلام الأئمة في الجمع بين الحديثين في الحديث الآتي.