الرجال؛ وتدفع إليهم المال مضاربة، وكانت قريش قوما تجّارا، ومن لم يكن منهم تاجرا؛ فليس عندهم بشيء.
وسبب ذلك- كما رواه الواقديّ، وابن السّكن-: أنّ أبا طالب قال: يا ابن أخي؛ أنا رجل لا مال لي، وقد اشتدّ الزمان علينا وألحّت علينا سنون منكرة، وليس لنا مادّة، ولا تجارة، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام؛ وخديجة تبعث رجالا من قومك يتّجرون في مالها ويصيبون منافع، فلو جئتها لفضّلتك على غيرك، لما يبلغها عنك من طهارتك!! وإن كنت أكره أن تأتي الشام وأخاف عليك من يهود؛ ولكن لا نجد من ذلك بدّا. فقال صلى الله عليه وسلّم:«لعلّها ترسل إليّ في ذلك» . فقال أبو طالب: أخاف أن تولّي غيرك.
فبلغ خديجة ما كان من محاورة عمّه له، وقبل ذلك صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه. فقالت: ما علمت أنّه يريد هذا!! وأرسلت إليه؛ وقالت:
دعاني إلى البعث إليك ما بلغني من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وكرم اخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك.
فذكر ذلك صلى الله عليه وسلّم لعمّه. فقال: إنّ هذا الرزق ساقه الله إليك.
فخرج ومعه ميسرة «غلام خديجة» في تجارة لها، حتى بلغ سوق بصرى لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة، فنزل تحت ظلّ شجرة في سوق بصرى قريبا من صومعة نسطور الراهب. فقال نسطور الراهب:«ما نزل تحت هذه الشجرة إلّا نبي» .
ثمّ حضر سوق بصرى فباع سلعته التي خرج بها واشترى.. وكان بينه وبين رجل اختلاف في سلعة، فقال الرجل: احلف باللات والعزى. فقال:«ما حلفت بهما قطّ» . فقال الرجل: القول قولك. ثم قال لميسرة- وخلا به-: هذا نبيّ، والّذي نفسي بيده؛ إنه لهو الذي تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم. فوعى ذلك ميسرة.