للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحسين قَرابةٌ ما فعلَ به وبكم ما فعلَ، ولا أقدمَ على ما أقدمَ عليه، ولكن فرَّقَتْ بينهما سُمَيَّة. فرحم الله أبا عبد الله، واللهِ لو كنتُ صاحبَه ثم لم أقْدِر على دفع القتل عنه إلا بنقص بعض عُمري لدفعتُه عنه، ولوَدِدتُ أنَّني أُتيتُ به سِلْمًا.

ثم قال لعليِّ بن الحسين : أبوك قطعني رحمي، ونازعَني سلطاني، فجزاه الله جزاء القطيعة والإثم.

فقال رجل من أهل الشام: سِباءُهُم لنا حلال. فقال له عليّ: كذبتَ (١).

وأمر يزيد نساء آل أبي سفيان أن يُقمنَ المآتم على الحسين ثلاثًا. قالت سُكينة: فما تَلَقَّتْنا منهن امرأةٌ إلَّا وهي تبكي وتنتحب.

وكان عند يزيد أمُّ كلثوم بنتُ عبد الله بن عامر بن كُريز، فبكت وناحَتْ، فقال يزيد: يحقّ لها أن تُعولَ (٢) على كبير قريش وسيِّدِها.

وقالت فاطمة بنتُ الحسين (٣) لأمِّ كلثوم: ما تركوا لنا شيئًا. فأبلغت يزيد، فقال: ما أُتيَ إليهم أعظمُ.

ثم ما ادَّعَوْا شيئًا ذهب لهم إلا وأضْعَفَه يزيدُ لهم.

وقال أبو مِخْنَف: لمَّا جلس يزيد دعا أشرافَ الشام فأجلَسهم حولَه، ودعا بعليِّ بن الحسين، وصبيان الحسين، وبناتِه ونسائه، فأُدخلوا عليه والناس ينظرون إليهم، فقال يزيد لعلي: أبوك قطع رَحِمي، وجهلَ حقِّي، ونازعَني سلطاني، فصنعَ اللهُ به ما رأيتَ. فقال له علي: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد: ٢٢، ٢٣]. فقال يزيد لخالد ابنه: اردد عليه. فما دَرَى خالد ما يقول، فقال له يزيد: قل: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)[الشورى: ٣٠] ثم سكت عنه (٤).


(١) المصدر السابق.
(٢) أي: ترفع صوتها بالبكاء والصياح.
(٣) في "طبقات ابن سعد" ٦/ ٤٤٩: فاطمة بنت علي.
(٤) أنساب الأشراف ٢/ ٥١٣، وتاريخ الطبري ٥/ ٤٦١.