للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّدقةِ المفروضة، وقد ذكَر بعضُ أهلِ العلم أنَّ أُبيَّ بنَ كعبٍ كان من أيسَرِ أهلِ المدينة، وهو أحدُ الذين قسَم عليهم أبو طلحةَ صدقتَه هذه، وقد عارَضَه بعضُ مُخالفِيه، فزعَم أنَّ أُبيًّا كان فقيرًا، واحتجَّ بروايةِ مَن روَى في هذا الحديث: "فقسَمها أبو طلحةَ بينَ فُقراءِ أقاربه" (١). وهي لفظةٌ مختلفٌ فيها، لا تثبُتُ، وعلى أيِّ وجْهٍ كان، فإنَّ الصدقةَ التَّطوُّعَ جائزٌ قبولُها من غيرِ مسألةٍ لكلِّ أحد، غنيًّا كان أو فقيرًا، وإن كان التَّنزُّهُ عنها أفضلَ عندَ بعضِ العُلماء، وسنُبيِّنُ وجوهَ هذا المعنى في بابِ زيدِ بنِ أسلَمَ من كتابِنا (٢) هذا إن شاءَ اللَّه.

وفيه دليلٌ على صحّةِ ما ذهَب إليه فُقهاءُ الحجازيِّين، حيثُ قالوا فيمن تصدّقَ على رجلٍ أو على قوم بصَدَقةِ حُبُسٍ (٣)، ذكَر فيها أعقابَهم أو لم يَذكُر، ولم يجعلْ لها بعدَهم مرجعًا، مثل أن يقول: على المساكين. أو: على ما لا يُعدمُ وُجودُه من صفاتِ البرِّ، فماتوا وانقَرَضوا، أنَّها ترجعُ حُبْسًا على أقربِ الناس بالمُحَبِّس يومَ ترجِعُ لا يومَ حَبَّسَ.

ألا ترَى أنَّ أبا طلحةَ إذ جعَل حائطَه ذاك صدقةً للَّه ولم يذكُرْ وجْهًا من الوجوهِ التي يُتقرَّبُ بها إلى اللَّه عزَّ وجلَّ، أمرَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَجعلَها في أقاربِه، فكذلك كلُّ صدقةٍ لا يُجعلُ لها وجْهٌ، ولا يُذكَرُ لها مَرجعُ تصرفٍ على


(١) وهي رواية إسماعيل بن إسحاق القاضي عن عبد اللَّه بن مسلمة القعنبي. كما ذكر في أول شرح هذا الباب.
(٢) في أثناء شرح الحديث الثاني عشر له، عن عطاء بن يسار، وهو في الموطأ ٢/ ٥٩٩ (٢٨٥٤)، وسيأتي في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.
(٣) قوله: "بصَدَقةٍ حُبُسٍ" الحُبُس بالضمِّ، جمع الحَبِيس، يقع على كلِّ شيءٍ وقفَهُ صاحبُه وقْفًا مُحرَّمًا، لا يُورَثُ، ولا يُباع؛ من أرضٍ ونخلٍ وكرْم ومُستغلّ، ويُحبَّس -أي يُوقَف- أصلُه وقْفًا مؤبَّدًا، وتُسبَّل ثمرتُه تقرُّبًا إلى اللَّه تعالى. ينظر: تهذيب اللغة للأزهريّ ٤/ ١٩٨.
وقال النووي في تهذيب الأسماء ٤/ ١٩٤: "الوقْفُ والتَّحبيس والتّسبيل بمعنًى واحدٍ".

<<  <  ج: ص:  >  >>