للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو غيرَ مُعيَّن، حتى تُقبَضْ، وليس للموهوبِ له عندَهم ولا للمُتَصدَّقِ عليه أن يُطالبَ واهبَها بإخراجِها إليه، ولا يُوجِبُ عندَهم لفظُ الصدقةِ أو الهبةِ من غيرِ قبضٍ حُكمًا. وممّن ذهَب إلى هذا: الشافعيُّ، وأبو حنيفة، والثَّوريُّ. وسنذكُرُ اختلافَهم في هذا المعنى وما شاكَلَه من معاني الهبَاتِ في بابِ ابنِ شهاب، عن حُميدِ بنِ عبدِ الرَّحمن ومحمدِ بنِ النُّعمانِ بنِ بشير، إن شاءَ اللَّه (١)، ونُبيِّنُ وُجوهَ أقاويلِهم، واعتلالَهم لمذاهبِهم هناك، بحولِ اللَّه وعونِه، لا شريكَ له.

وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ الكلامَ قد أوجَب حُكمًا، أقلُّه المطالبةُ -على ما قال مالكٌ- للمُعيَّنِ الموهُوبِ له. ومن طريقِ القياس، لولا الكلامُ المتقدِّمُ، ما كان القبضُ يُدرَى ما هو، وباللَّه التَّوفيق.

فإذا قال المُتصدِّقُ: مالي هذا صدقةٌ للَّه عزَّ وجلَّ، ولم يُملِّكْه أحدًا، جاز للإمام أن يَصرِفَه في أيِّ سبيل من سُبلِ اللَّه شاء، غيرَ أنَّ الأفضلَ من ذلك أولى، هذا إذا لم يَبِنْ مرادُ المتصدِّق، فإن بانَ مرادُه لم يُتَعَدَّ ذلك الوجْهُ.

وفيه أنَّ الصدقةَ على الأقاربِ من أفضلِ أعمالِ البرِّ؛ لأنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُشِرْ بذلك على أبي طلحةَ إلّا وهو قد اختار ذلك له، ولا يَختارُ له إلّا الأفضلَ لا محالة، ومعلومٌ أنَّ العِتْقَ (٢) من أفضلِ أعمالِ البرِّ، وقد فضَّلَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الصدَقةَ على الأقاربِ (٣) على العِتْق.

حدَّثنا عبدُ اللَّه بنُ محمدِ بنِ أسد، قال: حدَّثنا حمزةُ بنُ محمد (٤)، قال:


(١) وهو الحديث السادس لابن شهاب الزُّهري، وهو في الموطّأ ٢/ ٢٩٨ (٢١٨٨)، وسيأتي في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.
(٢) في ف ١: "عتق الرقاب"، والمثبت من الأصل.
(٣) قوله: "على الأقارب" لم يرد في ف ١.
(٤) هو ابن عليّ الكنانيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>