للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورَوَيْنا عن الثوريِّ أنّه بلَغَه أنَّ أُمَّ ولدِ الربيع بنِ خُثَيم، قالت: كان إذا جاء السائل، يقول لي: يا فُلانة، أعطي السائلَ سُكَّرًا؛ فإنَّ الرَّبيعَ يُحبُّ السُّكَّر. قال سفيان: يتأوَّلُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}؛ حدَّثناه خلفُ بنُ أحمد (١)، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ سعيدٍ وأحمدُ بنُ مُطرِّف، قالا: حدَّثنا سعيدُ بنُ عُثمان (٢)، قال: حدَّثنا إسحاقُ بنُ إسماعيل، قال: حدَّثنا المؤمَّلُ، قال: حدَّثنا سُفيانُ. فذكَره.

وقال الحسنُ رحِمَه اللَّه: إنَّكم لا تَنالونَ ما تُحبُّون إلّا بتركِ ما تَشتَهون، ولا تُدرِكُون ما تأمُلُونَ إلّا بالصبرِ على ما تَكرَهون (٣).

وفيه أنَّ لفظَ الصدقةِ يُخرِجُ الشيءَ المتصدَّقَ به عن ملكِ الذي يَملِكُه قبلَ أن يَتصَدَّقَ به، فإنْ أخرَجها إلى مالك، وملَّكَه إيّاها، استَغْنَى بهذه اللفظةِ عن غيرِها ولم يكنْ له الرُّجوعُ في شيءٍ منها؛ لأنَّ لفظَ الصدقةِ يدُلُّ على أنَّه أراد اللَّهَ بها مُعطيها؛ لما وعَد اللَّهُ ورسولُه على الصدقةِ من جزيلِ الثَّواب، وما أُريدَ به اللَّهُ فلا رُجوعَ فيه، وهذا مما أجمَعَ المسلمون عليه.

وفي هذا حُجَّةٌ لمالكٍ في إجازتِه للموهُوبِ له والمتصدَّقِ عليه المطالبةَ بالصدقةِ وإنْ لم يَحُزْها حتى يَحُوزَها، وتصحُّ له ما دام المتصدِّقُ أو الواهبُ حيًّا، وإن لم تُقبَضْ. وغيرُه لا يَجعَلُ اللفظَ بالصدقةِ ولا بالهبةِ شيئًا، سواءٌ كان مُعَيَّنًا (٤)


(١) هو ابن أبي جعفر، أبو القاسم الأموي، وشيخه أحمد بن سعيد: هو ابن حزم بن يونس الصّدَفيّ، وشيخه الثاني أحمد بن مطرّف: هو ابن عبد الرحمن المعروف بابن المشّاط صاحب الصلاة.
(٢) هو ابن سعيد التُّجيبي، أبو عثمان الأعنافيّ.
(٣) ينظر: البيان والتبيين للجاحظ ٣/ ١١٣.
ويُعزى هذا القول لعيسى ابن مريم عليه السلام، أخرجه الدينوري في المجالسة ٣/ ٢٦٥، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٤٧/ ٤٥٢ من طريق عمران بن سليمان أنه بلغه عن عيسى أنه قال لأصحابه؛ فذكراه.
(٤) في الأصل: "سواء كان لمُعَيَّن ولا لغير مُعيَّن"، والمثبت من بقية النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>