للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل في قولِهِ: "فتَلقَّيتُهُ بالإداوةِ" تصريحٌ أنَّها كانت مع المُغيرةِ، وأنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تَبرَّز لحاجتِهِ دُونها.

وفي ذلكَ ما يُوضِّحُ لكَ: أنَّهُ اسْتَنجى بالأحْجارِ بحَضْرةِ الماءِ، والله أعلمُ.

وقد قال ابن جُرَيج، وغيرُهُ في هذا الحديثِ: "فتبرَّزَ لحاجتِهِ قِبَلَ الغائطِ، فحملتُ معهُ إداوةً". وقال معمر: "فتخلَّف، وتخلَّفتُ معهُ بإداوةٍ".

فإن صحَّ أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اسْتَنجى بالماءِ يومئذٍ، في نَقْلِ من يُقبلُ نقلُهُ، وإلّا فالاسْتِدلالُ من حديثِ مالكٍ، وما كان مِثلهُ صحيحٌ، فإنَّ في هذا الحديثِ تركُ الاستِنجاءِ بالماءِ، والعُدُول عنهُ إلى الأحْجارِ، مع وُجُودِ الماءِ.

وقد نزعَ بنحوِ هذا الاسْتِدلالِ جماعةٌ من الفُقهاءِ، وزَعَمت منهُم طائفةٌ، بأنَّ في هذا الحديثِ الاسْتِنجاءَ بالماءِ، لما ذكرنا من ألفاظِ بعضِ النّاقِلين لهُ بذلكَ، وذلكَ اسْتِدلالٌ أيضًا، لا نصٌّ.

وأيَّ الأمرينِ كانَ، فإنَّ الفُقهاءَ اليومَ مُجمِعُون على أنَّ الاسْتِنجاءَ بالماءِ أطهرُ، وأطيبُ، وأنَّ الأحجار رُخصةٌ، وتَوْسِعةٌ، وأنَّ الاسْتِنجاءَ بها جائزٌ في السَّفرِ، والحَضَرِ.

وقد مَضَى القولُ في الاسْتِنجاءِ فيما مَضَى من كِتابِنا (١)، والحمدُ لله.

وفيه: إباحةُ لُبسِ الضَّيِّقِ من الثِّيابِ، بل ذلكَ يَنْبغي أن يكونَ مُسْتحبًّا مُسْتَحسنًا في الغزوِ، لما في ذلكَ من التَّأهُّبِ، والانْشِمارِ (٢)، والتَّأسِّي برسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولِباسُ مِثلِ ذلكَ في الحَضَرِ عندي ليسَ به بأسٌ.


(١) سلف في شرح حديث أبي إدريس الخولاني، عن أبي هريرة: "من استجمر فليوتر". وهو في الموطأ ١/ ٥٢ (٣٤).
(٢) الانشمار: المضي والنفوذ. انظر: لسان العرب ٤/ ٤٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>