للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلُّهُم يَصِفُ ضيقَ الجُبَّةِ، ويَصِفُ إمامةَ عبدِ الرَّحمنِ بن عوفٍ.

والقِصَّةُ على وجهِها بألفاظٍ مُتقارِبةٍ، ومعنًى واحِدٍ، إلّا قليلٌ منهُم مِمَّنِ اختصر القِصَّةَ، وقصَدَ إلى الحُكم في المسح على الخُفَّينِ، وعلى النّاصيةِ.

قال أبو عُمر: في حديثِ مالكٍ في هذا البابِ ضُرُوبٌ من معاني العِلم، منها:

خُرُوجُ الإمام بنفسِهِ في الغزوِ لجِهادِ عدِوِّه. وكانت غزوةُ تبُوكَ آخِرَ غزوةٍ غزاها رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلكَ في سَنةِ تِسع من الهِجرةِ، وهي المعرُوفةُ بغَزاةِ العُسْرةِ.

قال ابن إسحاق: خرجَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبُوكَ، فصالحَهُ أهلُ أيْلَةَ، وكتَبَ لهم كِتابًا (١).

قال خليفةُ (٢): وقال المدائنيُّ: كان خُرُوجُهُ إليها في غُرَّةِ رجبٍ. ولم يختلِفُوا أنَّ ذلكَ في سَنةِ تِسع.

وفيه: آدابُ الخَلاءِ، والبُعدُ عن النّاسِ عندَ حاجَةِ الإنسانِ.

وفيه - على ظاهِرِ حديثِ مالكٍ وغيرهِ، وأكثرِ الرِّوايات -: تَرْكُ الاسْتِنجاءِ بالماءِ، مع وُجُودِ الماءِ؛ لأنَّهُ لم يذكُر أنَّهُ اسْتَنجى به، وإنَّما ذكَرَ: أنَّهُ سكَبَ عليه، فغسلَ وجهَهُ. يعني لوُضُوئهِ، وفي غيرِ حديثِ مالكٍ: "فتَبرَّزَ ثُمَّ جاءَ فصببتُ على يدَيهِ من الإداوةِ، فغسلَ كفَّيهِ، وتوضَّأ". وفي حديثِ الشَّعبيِّ، عن عُروةَ بن المُغيرةِ، عن أبيهِ: "فخرجَ لحاجتِهِ، ثُمَّ أقبلَ، فتلقَّيتُهُ بالإداوةِ". فدلَّ على أنَّهُ لم يدفعها إليه.

وقد صحَّ أنَّ الإداوةَ كانت مع المُغيرةِ، ولم يُذكر في شيءٍ من الآثارِ: أنَّهُ ناولها رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فذهَبَ بها، ثُمَّ لمّا جاءَ رَدَّها إليه، فسكَبَ منها الماءَ عليه،


(١) انظر: السيرة لابن هشام ٢/ ٥٢٥.
(٢) انظر: تاريخه، ص ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>