للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجمعَوا أنَّ الوَصِيَّة ليست بواجبةٍ إلَّا على مَن كانت عليه حُقُوقٌ بغيرِ بيِّنةٍ، أو كانت عندَه أمانَةٌ بغيرِ إشهاد، فإن كان ذلك فواجِبٌ عليه الوصِيَّةُ فَرْضًا، لا يَحِلُّ له أنْ يَبيتَ ليْلتَين إلَّا وقد أشْهَدَ بذلك، وأمَّا التَّطوُّعُ فليس على أحَدٍ أنْ يُوصِيَ به، إلَّا فِرْقَةً شذَّتْ فأوْجَبَتْ ذلك، والآيَةُ بإيجابِ الوصيةِ للوالدَينِ والأقْرَبينَ مَنْسُوخةٌ (١)، وسنُبيِّنُ ذلك في بابِ نافِع، عن ابنِ عمرَ، مِن كتابِنا هذا إن شاء الله (٢). ولم يُوصِ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كانَتِ الوَصِيَّةُ واجِبَةً، كان أبْدَرَ الناسِ إليها رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، بل قال عليه السَّلامُ: "أفْضَلُ الصدقةِ أن تُعْطِيَ وأنت صَحِيحٌ شَحِيحٌ تأْمُلُ الغِنَى وتَخشَى الفقرَ، ولا تُمْهِلْ حتى إذا بلَغَتِ النَّفْسُ الحُلقُومَ، قُلْتَ: هذا لفلانٍ، وهذا لفلانٍ" (٣).

وذكر عبدُ الرَّزَّاقِ (٤)، عن الثوريِّ، عن الحسنِ بنِ عُبَيْدِ الله (٥)، عن إبراهيمَ النَّخَعِيِّ: أنَّه ذُكِر له أنَّ الزُّبَيرَ وطلحةَ كانا يُشَدِّدان على الرجلِ في الوصيةِ، فقال: ما كان عليهما أنْ يَفْعَلا؛ تُوُفِّي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فما أوْصَى، وأوْصَى أبو بكرٍ، فإن أوْصَى فحَسَنٌ، وإن لم يُوصِ فلا بَأْسَ.


(١) نُسخت بآية الفرائض، وهي قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الآية [النساء: ١١]، ينظر: الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام ص ٢٣٠ - ٢٣١، وفتح الباري للحافظ ابن حجر ٨/ ٢٤٤.
(٢) سيأتي، وهو الحديث الثامن والثلاثون لنافع مولى ابن عمر، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ١٢/ ٧٥ (٧١٥٩)، والبخاري (١٧٢٨)، ومسلم (١٣٠٢) من حديث أبي زرعة عمرو بن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه، وسيأتي بإسناد المصنّف في الموضع المشار إليه في التعليق السابق.
(٤) في المصنف ٦/ ٥٧ (١٦٣٣٢).
(٥) في الأصل، والمطبوع من مصنف عبد الرزاق: "عبد الله"، وهو مصحح في نسختي من المصنف، وهو خطأ صوابه ما أثبتنا، وهو الذي في بقية النسخ، وهو الحسن بن عبيد الله بن عروة النخعي، وينظر: تهذيب الكمال ٦/ ١٩٩ ورواية الثوري عنه في صحيح مسلم وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>