للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الوَجْهَين جميعًا؛ منهم: مالِكٌ، والليثُ، والأوزاعيُّ، والثوريُّ، وأبو حنيفةَ، والشافعيُّ، وأصحابُهم (١).

وفي قولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الثُّلثُ كثيرٌ" دليلٌ على أنَّه الغايةُ التي إليها تَنْتهي الوصيةُ، وأنَّ ذلك كثيرٌ في الوصيةِ، وأنَّ التَّقْصيرَ عنه أفضلُ، ألا تَرَى إلى قولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بعَقِبِ قوله: "الثُّلثُ كثيرٌ": "ولأن تَدَعَ ورَثَتك أغنياءَ خيرٌ مِن أن تَدَعَهم عالةً يتكفَّفُون الناسَ"؟ فاسْتَحَبَّ له الإبقاءَ لورَثَتِه، وكَرِه جماعَةٌ مِن أهلِ العِلْم الوَصِيَّة بجميع الثُّلثِ.

ذكر عبدُ الرزاقِ (٢)، عن مَعْمَرٍ، عن ابنِ طاوُسٍ، عن أبيه، قال: إذا كان ورَثَتُه قليلًا ومالُه كثيرًا، فلا بأْسَ أن يَبْلُغَ الثُّلثَ في وصِيَّتِه.

واسْتَحَبَّ طائفةٌ منهم الوصِيَّة بالرُّبُع. رُويَ ذلك عن ابنِ عباسٍ وغيرِه (٣).

وقال إسحاقُ بنُ راهُويَةَ: السُّنَّةُ في الوصيَّةِ الرُّبُعُ؛ لقولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الثُّلثُ كثيرٌ"، إلَّا أن يكونَ رجلٌ يَعْرِفُ في مالِه شُبُهاتٍ، فيجوزُ له الثُّلثُ، لا يجوزُ له غيرُه (٤).

قال أبو عُمر: لا أعلَمُ لإسحاقَ حُجَّةً في قولِه: السُّنةُ في الوصيةِ الرُّبُعُ (٥).


(١) ينظر: بداية المجتهد لابن رشد ٤/ ١٢١.
(٢) في المصنّف ٩/ ٦٧ (١٦٣٦٦).
(٣) سيأتي تخريجه بعد قليل.
(٤) نقله عنه بهذا السياق ابن المنذر في الأوسط ٨/ ٣٧.
(٥) حُجَّته في ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما: "لو أنّ الناسَ غَضُّوا من الثُّلث إلى الرُّبع"، والحديث في الصَّحيحين وغيرهما من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنه، وسيأتي المصنّف على ذكره بعد قليل، قال الحافظ ابن حجر في الفتح ٥/ ٣٧٠: "وكأنّ ابن عباس أخذَ من وصفِه - صلى الله عليه وسلم - الثُّلثَ بالكثرة، وقد قدَّمنا الاختلاف في توجيه ذلك في الباب الذي قبله، ومَن أخذ بقول ابن عبّاسٍ في ذلك كإسحاق بن راهوية"، وهذا ذكره قبل ذلك النووي في المجموع ١٥/ ٤٠٣، فقول المصنِّف: "لا أعلم لإسحاق حجّة ... " مدفوع بما ذكرنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>