للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا قِرانٌ في شيءٍ مِن حَجِّ الجاهليةِ، وإنَّما كانوا على الإفرادِ، وكانوا يَروْن العمرةَ في أشهرِ الحجِّ مِن أفجرِ الفجورِ، ولا خِلافَ بينَ أهلِ العِلم وأهلِ السِّيَرِ في ذلك، والإفرادُ أفضَلُ إن شاء اللهُ؛ لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان مُفرِدًا، فلذلك قلنا: إنَّه أفضلُ، لأنَّ آثارَه أصَحُّ عنه في إفرادِه - صلى الله عليه وسلم -، ولأنَّ الإفرادَ أكثرُ عمَلًا، ثم العمرةُ عَمَل آخَرُ، وذلك كلُّه طاعَةٌ، والأكْثرُ منهما أفضَلُ.

وأمَّا قولُ عائشةَ في حديثها في هذا البابِ؛ حديثِ مالكٍ، عن ابنِ شهابٍ، عن عروةَ، عنها قالت: قَدِمْتُ مكةَ وأنا حائضٌ، فلم أطُفْ بالبيتِ، ولا بينَ الصَّفا والمروةِ. ففيه بَيانٌ أنَّ الحائِضَ لا تطوفُ بالبيتِ، وأنَّ الطوافَ لا يجوزُ على غيرِ طهارَةٍ، وذلك حُجَّةٌ على أبي حَنيفةَ وأصحابِه الذين يُجيزُون لغيرِ الطاهِرِ الطوافَ، ويَروْنَ على مَن طاف غيرَ طاهِرٍ مِن جُنُبٍ أو حائِضٍ دمًا، ويُجزِئُه طَوافُه (١). وعندَ مالكٍ، والشافعيِّ، لا يُجزِئُه ولا بُدَّ مِن إعادَتِه، وحُجَّتُهم أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشةَ حينَ حاضَتْ: "اصْنَعِي كلَّ مَا يصنَعُ (٢) الحاجُّ، غيرَ ألَّا تَطُوفي بالبيتِ" (٣). وأنَّه قال في صَفِيَّة: "أحابِسَتُنا هي؟ ". قيل: إنَّها قد طافَتْ. قال: "فلا إذَنْ" (٤).


(١) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني ٢/ ٣٩٤ - ٣٩٥، والمبسوط للسرخسي ٤/ ٣٨.
(٢) في الأصل: "يفعل"، والثبت من بقية النسخ. ينظر: الأُمّ للشافعي ٢/ ١٩٦، وبداية المجتهد لابن رشد ٢/ ١٥٩.
(٣) أخرجه مالكٌ في الموطأ ١/ ٥٤٩ (١٢٢٩) عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها. وهو الحديث الثالث لعبد الرحمن بن القاسم، وسيأتي مع تمام تخريجه ومزيد كلامٍ عليه في موضعه إن شاء تعالى.
(٤) أخرجه مالكٌ في الموطأ ١/ ٥٥٠ (١٢٣١) عن عبد الرحمن بن القاسم بالإسناد المذكور في التعليق السابق، وهو الحديث السابع لعبد الرحمن بن القاسم، وسيأتي مع تمام تخريجه ومزيد كلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>