للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهَدْي، وأراد أن يُزارَ البيتُ في غير شُهورِ الحجِّ، فجَعَلْتُموها أنتم حرامًا وعاقبْتُم الناسَ عليها، وقد أحَلَّها اللهُ وعَمِل بها (١) رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. فإذا أكثرُوا عليه قال: كتابُ الله بيني وبينَكم، كتابُ الله أحَقُّ أن يُتَّبعَ أم عمرُ (٢)؟!

واحتَجَّ أحمدُ بنُ حنبل (٣) في اختيارِ التَّمَتُّع بقولِه - صلى الله عليه وسلم -: "لو استقبَلْتُ مِن أمري ما استَدبَرتُ، ما سُقتُ الهديَ، ولجعَلْتُها عمرةً" (٤). والأحاديثُ في التَّمتُّع كثيرةٌ جدًّا.

وقال آخرون: القِرَانُ أفضلُ، وهو أحَبُّ إليهم؛ منهم أبو حنيفةَ، والثوريُّ، وبه قال المزنيُّ صاحِبُ الشافعي، قال: لأنَّه يكونُ مُؤدِّيًا للفَرضَيْنِ جميعًا. وهو قولُ إسحاقَ، قال إسحاقُ: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عامَ حَجَّةِ الوَداع قارِنًا. وهو قولُ عليِّ بن أبي طالبٍ، وقال أبو حنيفةَ: القِرَانُ أفضَلُ، ثم التَّمَتُّعُ، ثم الإفرادُ. وقال أبو يوسفَ: التمتعُ والقِرانُ سواءٌ، وهما أفضلُ مِن الإفرادِ (٥).

واحتَج مَن استَحَبَّ القِرَانَ وفَضَّلَه بآثارٍ؛ منها: حديثُ عمرَ بنِ الخطابِ، قال: سمِعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ وهو بوادِي العَقِيقِ (٦): "أتاني الليلةَ آتٍ مِن ربِّي فقال: صَلِّ في هذا الوادي المباركِ، وقُلْ: عُمْرَةٌ في حَجَّةٍ".


(١) في ج، م: "وعملها".
(٢) أخرجه عبد الرزاق في الأمالي في آثار الصحابة (١٤٢) عن معمرٌ بن راشد، به. ومن طريقه ابن حزم في حجّة الوداع، ص ٣٩٨ (٤٤٥)، والبيهقي في الكبرى ٥/ ٢١ (٩١٣٥). وإسناده صحيح. الزُّهريُّ: هو محمد بن مسلم. وسالمٌ: هو ابن عبد الله بن عمر.
(٣) نقله عن الإمام أحمد أبو داود في مسائل الإمام أحمد، روايته، ص ١٤٣ - ١٤٤ (٦٩٠). وابنه عبد الله في مسائل الإمام أحمد، روايته، ص ٢١١ (٧٤٨).
(٤) جزء من حديث أخرجه أحمد في المسند ٢٢/ ٣٢٥ - ٣٢٧ (١٤٤٤٠)، ومسلم (١٢١٨) من حديث أبي الزُّبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مطوّلًا.
(٥) تنظر جملة الأقوال السابقة في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ١٥٣.
(٦) هو واد قرب البقيع، بينه وبين المدينة أربعة أميال، ومعنى العقيق: الذي شقَّه السَّيل قديمًا.
من العَقِّ. قال ابن الأثير: وكلُّ موضع شققته من الأرض فهو عقيق. النهاية (٣/ ٢٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>