للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى اشْتِرَاطِ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، فَقَالُوا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ: لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ لِأَنَّهُ لَبِسَ أَحَدَ الْخُفَّيْنِ قَبْلَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.

وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِلْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، كَحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: «دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَعِ الْخُفَّيْنِ فَإِنِّي أَدْخَلْتُ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ، وَهُمَا طَاهِرَتَانِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ لَمَّا نَبَّهَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ: «إِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ» .

وَفِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُتَقَدِّمِ: «أَمَرَنَا أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهْرٍ» الْحَدِيثَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.

وَقَالُوا: وَالطَّهَارَةُ النَّاقِصَةُ كَلَا طَهَارَةٍ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ كَمَالِ الطَّهَارَةِ وَقْتَ لُبْسِ الْخُفِّ فَأَجَازُوا لُبْسَ خُفِّ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى وَالْمَسْحَ عَلَيْهِ، إِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ كَمُلَتْ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ.

قَالُوا: وَالدَّوَامُ كَالِابْتِدَاءِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ: الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَالْمُزَنِيُّ، وَدَاوُدُ. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ قَاعِدَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، «وَهِيَ هَلْ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِمُجَرَّدِ غَسْلِهِ، أَوْ لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا بِتَمَامِ الْوُضُوءِ؟» ، وَأَظْهَرُهُمَا عِنْدِي أَنَّ الْحَدَثَ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَجَزَّأُ، فَلَا يَرْتَفِعُ مِنْهُ جُزْءٌ، وَأَنَّهُ قَبْلَ تَمَامِ الْوُضُوءِ مُحْدِثٌ، وَالْخُفُّ يُشْتَرَطُ فِي الْمَسْحِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ وَقْتَ لُبْسِهِ غَيْرَ مُحْدِثٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، اهـ.

تَنْبِيهٌ

جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغَسْلِ، لِأَنَّهُمَا قُرْبَةٌ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>