للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ بِأَنَّهُ يَكْفِيهِ هَدْيٌ وَاحِدٌ مُطْلَقًا: مَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ، وَعَطَاءٌ.

وَالْأَصَحُّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ بَدَنَةٌ، وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ بَعْدَ ذَلِكَ شَاةٌ. وَعَنْ أَبِي ثَوْرٍ: تَلْزَمُهُ بِكُلِّ مَرَّةٍ بَدَنَةٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. فَدَمٌ وَاحِدٌ وَإِلَّا فَدَمَانِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا جَامَعَ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ؟ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ: أَنَّ الْعَمْدَ وَالنِّسْيَانَ سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَسَادِ الْحَجِّ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: إِنْ وَطِئَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَمَّا إِنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ قَوْلًا وَاحِدًا.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» :

يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنْبَلِيِّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْجِمَاعَ الْمُفْسِدَ لِلْحَجِّ هُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ وَالْغُسْلِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي كَلَامِ مَالِكٍ فِي «الْمُوَطَّأِ» ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْإِتْيَانَ فِي الدُّبُرِ كَالْجِمَاعِ فِي إِفْسَادِ الْحَجِّ، وَكَذَلِكَ الزِّنَا أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِخْوَانَنَا الْمُسْلِمِينَ مِنْ فِعْلِ كُلِّ مَا لَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَظْهَرَ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ اللَّذَيْنِ أَفْسَدَا حَجَّهُمَا، وَذَلِكَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فِي حِجَّةِ الْقَضَاءِ. لَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ.

وَظَاهِرُ الْآثَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ ذَلِكَ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ، وَعَنْ مَالِكٍ: يَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ، وَلَا يُنْتَظَرُ مَوْضِعُ الْجِمَاعِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ أَظْهَرُ. وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ: أَنَّ التَّفْرِيقَ الْمَذْكُورَ وَاجِبٌ وَهُوَ قَوْلٌ أَوْ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالثَّانِي عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ وَجْهٌ أَيْضًا عَنِ الْحَنَابِلَةِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» وَنَقْلَهَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» ، عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَطَاءٍ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَفْتَرِقَانِ قِيَاسًا عَلَى الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُمَا إِذَا قَضَيَا الْيَوْمَ الَّذِي أَفْسَدَاهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا.

وَاعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا خِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي الْهَدْيِ الَّذِي عَلَى الْمُفْسِدِ حَجَّهُ بِالْجِمَاعِ، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: بَدَنَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَاتٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْهُمُ ابْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>