قَابِلٍ مِنْ حَيْثُ كَانَا أَحْرَمَا، وَيَفْتَرِقَانِ حَتَّى يُتِمَّا حَجَّهُمَا، قَالَ: وَقَالَ عَطَاءٌ: وَعَلَيْهِمَا بَدَنَةٌ، إِنْ أَطَاعَتْهُ، أَوِ اسْتَكْرَهَهَا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمَا بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ، اهـ. وَهَذَا الْأَثَرُ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ عَطَاءً لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَيْضًا: أَنْ مُجَاهِدًا سُئِلَ عَنِ الْمُحْرِمِ، يُوَاقِعُ امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَجِّهِمَا، ثُمَّ يَرْجِعَانِ حَلَالًا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَإِذَا كَانَ مَنْ قَابِلٍ حَجَّا وَأَهْدَيَا، وَتَفَرَّقَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: اقْضِيَا نُسُكَكُمَا، وَارْجِعَا إِلَى بَلَدِكُمَا، فَإِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ فَاخْرُجَا حَاجَّيْنِ، فَإِذَا أَحْرَمْتُمَا فَتَفَرَّقَا، وَلَا تَلْتَقِيَا حَتَّى تَقْضِيَا نُسُكَكُمَا، وَاهْدِيَا هَدْيًا. وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ أَهِلَّا مِنْ حَيْثُ أَهْلَلْتُمَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، اهـ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْأَثَرِ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَسْأَلُهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ؟ فَأَشَارَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ فَسَلْهُ. قَالَ شُعَيْبٌ: فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: بَطَلَ حَجُّكَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: فَمَا أَصْنَعُ؟ قَالَ: اخْرُجْ مَعَ النَّاسِ وَاصْنَعْ مَا يَصْنَعُونَ، فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلًا، فَحَجٌ وَاحِدٌ، فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَنَا مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ، قَالَ شُعَيْبٌ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَنَا مَعَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ قَالَ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: قَوْلِي مِثْلُ مَا قَالَا، اهـ. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَدِّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَتَرَى هَذَا الْأَثَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَنْهُمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةً، وَفِي بَعْضِهَا: أَنَّهُمَا تَكْفِيهِمَا بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ، فَهَذِهِ الْآثَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَبَعْضِ خِيَارِ التَّابِعِينَ هِيَ عُمْدَةُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
الْفَرْعُ التَّاسِعُ: اعْلَمْ أَنَّ أَظْهَرَ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي: أَنَّهُ إِذَا جَامَعَ مِرَارًا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ كَفَاهُ هَدْيٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ كَفَّرَ لَزِمَتْهُ بِالْجِمَاعِ الثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى، كَمَا أَنَّهُ إِنْ زَنَى مِرَارًا قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ كَفَاهُ حَدٌّ وَاحِدٌ إِجْمَاعًا، وَإِنْ زَنَى بَعْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ لَزِمَهُ حَدٌّ آخَرُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute