للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفَرْعُ الْخَامِسُ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي: أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً، وَكَذَلِكَ الْمُحْرِمَةُ، لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ خِطْبَتُهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ، عِنْدَ مُسْلِمٍ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ» فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُرْمَةَ الْخِطْبَةِ كَحُرْمَةِ النِّكَاحِ، لِأَنَّ الصِّيغَةَ فِيهِمَا مُتَّحِدَةٌ، فَالْحُكْمُ بِحُرْمَةِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ حُرْمَةُ النِّكَاحِ وَحُرْمَةُ وَسِيلَتِهِ الَّتِي هِيَ الْخِطْبَةُ كَمَا تَحْرُمُ خِطْبَةُ الْمُعْتَدَّةِ.

وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الْخِطْبَةَ لَا تَحْرُمُ فِي الْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا تُكْرَهُ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنَ النَّصِّ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ: عَلَى أَنَّ الْمُتَعَاطِفَيْنِ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْآخَرِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ الْآيَةَ [٦ \ ١٤١] . قَالُوا: الْأَكْلُ مُبَاحٌ وَإِيتَاءُ الْحَقِّ وَاجِبٌ، لَا دَلِيلَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَكْلِ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «وَلَا يَخْطُبُ» فَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ، كَقَوْلِهِ قَبْلَهُ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ» .

الْفَرْعُ السَّادِسُ: إِذَا وَقَعَ عَقْدُ النِّكَاحِ فِي حَالِ إِحْرَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوِ الْوَلِيِّ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى فَسْخِهِ بِطَلَاقٍ ; كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآثَارِ الَّتِي قَدَّمْنَا، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ: أَنَّهُ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ أَجَازَهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ.

الْفَرْعُ السَّابِعُ: أَظْهَرُ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي: أَنَّهُ إِذَا وَكَّلَ حَلَالٌ حَلَالًا فِي التَّزْوِيجِ، ثُمَّ أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا أَوِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الْوِكَالَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْوِكَالَةِ السَّابِقَةِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: تَنْفَسِخُ الْوِكَالَةُ بِذَلِكَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْوَكِيلَ إِذَا كَانَ حَلَالًا وَالْمُوَكِّلَ مُحْرِمًا، فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْحَلَالِ عَقْدُ النِّكَاحِ، قَبْلَ تَحَلُّلِ مُوَكِّلِهِ خِلَافًا لِمَنْ حَكَى وَجْهًا بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَجْوِيزَ ذَلِكَ غَلَطٌ.

الْفَرْعُ الثَّامِنُ: اعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْإِحْرَامَ يَحْرُمُ بِسَبَبِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَطْءُ امْرَأَتِهِ فِي الْفَرْجِ وَمُبَاشَرَتُهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [٢ \ ١٩٧] وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الرَّفَثَ شَامِلٌ لِلْجِمَاعِ، وَمُقَدِّمَاتِهِ. وَقَدْ أَرَدْنَا فِي هَذَا الْفَرْعِ أَنْ نُبَيِّنَ مَا يَلْزَمُهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ: أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>