وحدث ذلك لبني إسرائيل بعد أن عبدوا العجل في سيناء فقد قال لهم:"الرب إله إسرائيل.. ضعوا كل واحد سفيه على فخذه.. واقتلوا كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه وكل واحد قريبه ... ووقع من الشعب في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل.. فضرب الرب الشعب لأنهم صنعوا العجل الذي صنعه هارون""؟! ""خروج ٣٢: ٢٧-٣٥".
وحدث ذلك لبني إسرائيل بعد ذلك مرات ومرات، وحدث لذريتهم بعد أن كذبوا المسيح وتآمروا عليه فما هي إلا فترة وجيزة حتى انقض عليهم الرومان فقتلوا الآلاف وهدموا الهيكل وشردوا الباقين. تلك سنة الله التي أفهمها من قول الحق:{وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا، سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا}[الإسراء: ٧٦-٧٧] .
هذا ... ولما كان محمد رسول الله إلى العالمين فقد اقتضت حكمة الله أن تكون معجزته هي القرآن، كتاب هو منهج الله وهو في ذات الوقت يشتمل على آيات الله التي تستطيع البشرية في نضجها وترقيها أن تجدها ماثلة أمامها، فتستوعبها وتؤمن بها.
لقد اتسع مجال الرسالة من القبلية المحدودة إلى العالمية، فتغيرت لذلك آيات صدق الرسول من معجزات مادية لم تلبث أن طواها الزمان، إلى آيات قرآنية يتجدد الإيمان بها كلما تقدمت السنون ومرت الأعوام.
وأمر الغيب في القرآن برهان صدق ويقين، يستطيع كل عاقل أن يستخلص منه بديهية تماثل تلك البديهيات التي تقوم عليها العلوم الرياضية والطبيعية، بديهية تقول: إن من صدقك الحديث بالأمس سوف يصدقك غدًا.. ونقيض ذلك مفهوم ومعلوم..