للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَكُلُّ الَّذِي قَالُوا بَلَوْتُ فَلَمْ أَجِدْ ... لِذِي الشَّجْوِ أَشْفَى مِنْ هَوَى حِينَ يَقْرُبُ

عَلَيْهَا سَلامُ اللَّهِ مَا هَبَّتِ الصِّبَا ... وَمَا لاحَ وَهْنًا فِي دُجَى اللَّيْلِ كَوْكَبُ

فَلَسْتُ بِمُبْتَاعٍ وِصَالًا بَوَصْلِهَا ... وَلَسْتُ بِمُفْشِ سِرَّهَا حِينَ أَغْضَبُ

وَقَالَ:

يَقُولُونَ: لُبْنَى فِتْنَةٌ، كُنْتَ قَبْلَهَا ... بِخَيْرٍ فَلا تَنْدَمْ عَلَيْهَا وَطَلِّقِ

فَطَاوَعْتُ أَعْدَائِي وَعَاصَيْتُ نَاصِحِيَّ ... وَأَقْرَرْتُ عَيْنَ الشَّامِتِ الْمُتَخَلِّقِ

وَدِدْتُ وَبَيْتِ اللَّهِ أَنِّي عَصَيْتُهُمْ ... وَحَمَلْتُ فِي رِضْوَانِهَا كُلَّ مُوبِقِ

وَكُلِّفْتُ خَوْضَ الْبَحْرِ وَالْبَحْرُ زَاخِرٌ ... أَبِيتُ عَلَى أَثْبَاجِ مَوْجٍ مُغَرَّقِ

كَأَنِّي أَرَى النَّاسَ الْمُحِبِّينَ بَعْدَهَا ... عُصَارَةَ مَاءِ الْحَنْظَلِ الْمُتَفَلِّقِ

فَتُنْكِرُ عَيْنِي بَعْدَهَا كُلَّ مَنْظَرٍ ... وَيَكْرَهُ سَمْعِي بَعْدَهَا كل منطق

فقال كعاوية: هَذَا وَأَبِيكَ الْحُبُّ، وَأَذِنَ لَهُ فِي زِيَارَتِهَا، فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى امْرَأَةٍ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا: بُرَيْكَةُ، وَأَهْدَى لَهَا وَلِلُبْنَى هَدَايَا وَأَلْطَافًا، وَأَخْبَرَهَا بِكِتَابِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ عَمِّ مَا تُرِيدُ إلى الشُّهْرَةِ، فَأَقَامَ أَيَّامًا، فَبَلَغَ زَوْجَ لُبْنَى قُدُومُهُ، فَمَنَعَ لُبْنَى بُرَيْكَةَ، وَأَيَسَ قَيْسٌ مِنْ لِقَائِهَا، فَبَقِيَ مُتَرَدِّدًا فِي كِتَابِ مُعَاوِيَةَ، فَرَآهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ يَوْمًا، فَقَالَ: يا أعرابي ما لي أَرَاكَ مُتَحَيِّرًا؟ قَالَ: دَعْنِي بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، قَالَ: أَخْبَرْنِي بِشَأْنِكَ، فَإِنِّي عَلَى مَا تُرِيدُ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرَهُ وَقَالَ: لا أَرَانِي إِلا فِي طَلَبِ مِثْلِكَ، وَانْطَلَقَ بِهِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ لَيْلَةً يُحَدِّثُهُ وَيُنْشِدُهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ رَكِبَ فَأَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، ارْكَبْ مَعِي فِي حَاجَةٍ، فَرَكِبَ مَعَهُ، وَاسْتَنْهَضَ ثَلاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً مِنْ وُجُوهِ قُرَيْشٍ، وَلا يَدْرُونَ مَا يُرِيدُ، حَتَّى أَتَى بِهِمْ بَابَ زَوْجِ لُبْنَى، فَخَرَجَ فَإِذَا وُجُوهُ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكُمْ، مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا: حَاجَةٌ لابْنِ أَبِي عَتِيقٍ اسْتَعَانَ بِنَا عَلَيْكَ، فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنَّ حُكْمَهُ جَائِزٌ عَلَيَّ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ: اشْهَدُوا أَنَّ امْرَأَتَهُ لُبْنَى مِنْهُ طَالِقٌ، فَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِرْأَسِهِ ثُمَّ قَالَ: لِهَذَا جِئْتَ بِنَا! فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكُمْ، يُطَلِّقُ هَذَا امْرَأَتَهُ وَيَتَزوَّجُ بِغَيْرِهَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَمَا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَلَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ: وَاللَّهِ لا أَبْرَحُ حَتَّى تَنْقُلَ مَتَاعَهَا، فَفَعَلَتْ، وَأَقَامَتْ فِي