للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرأيت عليه قميصًا نقيا مطرَّزًا، فقلت في نفسي: أين الطُّرز من الزُّهد؟ فلمَّا سلَّم قال: سبحان الله، الطرز لا ينتقض أحكام الزهد١.

حدَّثني محمد بن الحسين القزّاز قال: كان ببغداد زاهدٌ خشِن العيْش، وكان يبلغه أنَّ ابن القزوينيّ يأكل الطيّب، ويلبس الرّقيق، فقال: سبحان اللَّه، رجلٌ مجمَعٌ على زهده وهذا حاله أشتهي أن أراه.

فجاء إلى الحربية، قال: فرآه، فقال الشّيخ: سبحان اللَّه، رجلٌ يومَأُ إليه بالزُّهد يعارض اللَّه في أفعاله، وما هُنا مُحرّمٌ ولا مُنكَر.

فطفق ذلك الرّجل يشهق ويبكي، وذكر الحكاية.

سمعت أبا نَصْر عبد السيّد بن الصبَّاغ يقول: حضرتُ عند القزوينيّ، فدخل عليه أبو بكر بن الرّحْبيّ فقال: أيُّها الشّيخ، أيُّ شيءٍ أمرتني نفسي أخالفها؟ قال: إن كنت مريدًا فنعم، وإن كنت عارفًا فلا.

فانصرفت وأنا مفكِّر وكأنَّني لم أُصوّبُه، فرأيتُ في النوم ليلتي شيئًا أزعجني، وكأنّ من يقول لي: هذا بسبب ابن القزوينيّ، يعني: لمّا أخذت عليه٢.

وحدَّثني أبو القاسم عبد السّميع الهاشميّ عن الزّاهد عبد الصّمد الصّحراويّ قال: كنت أقرأ على القزوينيّ، فجاء رجلٌ مغطَّى الوجه، فوثب الشيخ إليه وصافحه وجلس معه بين يديه ساعة، ثم قام وشيَّعَه، فاشتدَّ عجيي، وسألت صاحبي: مَنْ هذا؟ فقال: أومَا تعرِفه؟ هذا أمير المؤمنين القادر باللَّه.

وحدَّثنا أَحْمَد بن محمد الْأمين قال: رأيت الملك أبا كالَيْجَار قائمًا يشير إليه أبو الحسن بالجلوس فلا يفعل.

وحدّثني عليّ بن محمد الطرّاح الوكيل قال: رأيت الملك أبا طاهر بن بُوَيْه قائمًا بين يديّ أبي الحسن يومِئُ إليه ليجلس فيأبَى٣.

ثم حكى ابن المُجْلي لهُ عِدَّة كرامات منها شهود عرَفَة، وهو ببغداد، ومنها ذهب إلى مكّة فطاف ورجع من ليلته.


١ طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "٣/ ٣٠٢".
٢ سير أعلام النبلاء "١٧/ ٦١٢".
٣ سير أعلام النبلاء "١٧/ ٦١٢".