وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ ابْتِغَاءً بِالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحُرُّ، وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، بِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ،
يَقْتَضِي جَوَازَ جَمِيعِ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مَا خَلَا خِدْمَةَ الْحُرِّ، وَيُوَافِقُهُ عُمُومُ مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحُرُّ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَشَرْحِ الشَّافِي لِنَجْمِ الدِّينِ عُمَرَ النَّسَفِيِّ.
وَمَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى سَائِرِ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ سُكْنَى دَارِهِ وَخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهِ: يَعْنِي أَنْ تَزْرَعَ هِيَ أَرْضَهُ وَنَحْوَهَا مِنْ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ أَوْ أُلْحِقَتْ بِالْأَمْوَالِ شَرْعًا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَالْحَاجَةُ فِي النِّكَاحِ مُتَحَقِّقَةٌ وَإِمْكَانُ الدَّفْعِ ثَابِتٌ بِتَسْلِيمِ مَحَالِّهَا إذْ لَيْسَ فِيهِ اسْتِخْدَامُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا يُفِيدُ جَوَازَ تَسْمِيَةِ خِدْمَةِ الْحُرِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَتَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْدُمُهَا، فَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فَلَا يُؤْمَنُ الِانْكِشَافَ عَلَيْهِ مَعَ مُخَالَطَتِهِ لِلْخِدْمَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ ذَلِكَ الْحُرِّ وَلَمْ يُجْزِهِ.
وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت تَعْلِيلَ مُحَمَّدٍ ﵀ وُجُوبَ قِيمَةِ الْخِدْمَةِ بِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِلْمُنَاقَضَةِ وَتَعْلِيلُهُمَا نَفْيَ مَالِيَّتِهِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ فِي هَذَا الْعَقْدِ بِحَالِ الْمُقَيَّدِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ تَسْلِيمَهُ أُلْحِقَ بِالْأَمْوَالِ لَكِنْ انْتَفَى ذَلِكَ لِلُزُومِ الْمُنَاقَضَةِ لَا تَكَادُ تَتَوَقَّفُ فِي صِحَّةِ تَسْمِيَةِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ وَلَمْ يُجِزْهُ وَجَبَ قِيمَتُهَا، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ خِدْمَةً مُعَيَّنَةً تَسْتَدْعِي مُخَالَطَةً لَا يُؤْمَنُ مَعَهَا الِانْكِشَافُ وَالْفِتْنَةُ وَجَبَ أَنْ تُمْنَعَ وَتُعْطِيَ هِيَ قِيمَتَهَا أَوْ لَا تَسْتَدْعِي ذَلِكَ وَجَبَ تَسْلِيمُهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ بَلْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ ذَلِكَ الْحُرِّ حَتَّى تَصِيرَ أَحَقَّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ صَرَفَتْهُ فِي الْأَوَّلِ فَكَالْأَوَّلِ، أَوْ فِي الثَّانِي فَكَالثَّانِي، وَقَدْ أَزَالَ الْمُصَنِّفُ آخِرًا بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا هُوَ مَالٌ أَوْ مَنْفَعَةٌ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا شَرْعًا يَجُوزُ التَّزَوُّجُ عَلَيْهَا، وَمَا لَا يَجُوزُ كَخِدْمَةِ الزَّوْجِ الْحُرِّ لِلْمُنَاقَضَةِ أَوْ حُرٍّ آخَرَ فِي خِدْمَةٍ تَسْتَدْعِي خَلْوَةً لِلْفِتْنَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ كَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَالْحَجِّ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى هَذِهِ فَصَحَّ تَسْمِيَتُهَا. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي رَعْيِ غَنَمِهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا لِلتَّرَدُّدِ فِي تَمَحُّضِهَا خِدْمَةً وَعَدَمُهُ، وَكَوْنُ الْأَوْجَهِ الصِّحَّةُ لِقَصِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ قِصَّةَ شُعَيْبٍ وَمُوسَى ﵉ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ نَفْيِهِ فِي شَرْعِنَا إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِلْكَ الْبِنْتِ دُونَ شُعَيْبٍ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute