للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِالْمَشِيئَةِ الَّتِي تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَعَدَمَ التَّعْلِيقِ. فَكُلُّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ لِيَفْعَلَهُ فَلَمْ يَفْعَلْهُ فَإِنَّهُ إِنْ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالْمَشِيئَةِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. فَالِاسْتِثْنَاءُ وَالتَّكْفِيرُ يَتَعَاقَبَانِ الْيَمِينَ، إِذَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا الْمُوَافَقَةُ.

فَهَذَا أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدْفَعُ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الزِّيَادَةِ أَوِ النَّقْصِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثُمَّ يُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ: قَوْلُ أحمد وَغَيْرِهِ: " الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يُكَفَّرَانِ "، كَقَوْلِهِ وَقَوْلِ غَيْرِهِ: لَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِمَا. وَهَذَا فِي إِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. أَمَّا الْحَلِفُ بِهِمَا فَلَيْسَ تَكْفِيرًا لَهُمَا، وَإِنَّمَا هُوَ تَكْفِيرٌ لِلْحَلِفِ بِهِمَا، كَمَا أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَالْهَدْيِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ: فَإِنَّهُ لَمْ يُكَفِّرِ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ [وَالصَّدَقَةَ] وَالْهَدْيَ وَالْحَجَّ، وَإِنَّمَا يُكَفِّرُ الْحَلِفَ بِهِمَا، وَإِلَّا فَالصَّلَاةُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَكَمَا أَنَّهُ إِذَا قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ بِلَا خِلَافٍ فِي مَذْهَبِ أحمد وَمُوَافِقِيهِ مِنَ الْقَائِلِينَ بِنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ تَكْفِيرًا لِلْعِتْقِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَكْفِيرٌ لِلْحَلِفِ بِهِ.

فَلَازِمُ قَوْلِ أحمد هَذَا: أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ الْحَلِفَ بِهِمَا يَصِحُّ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ: كَانَ الْحَلِفُ بِهِمَا تَصِحُّ فِيهِ الْكَفَّارَةُ. وَهَذَا مُوجَبُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجْعَلِ الْحَلِفَ بِهِمَا يَصِحُّ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ، كَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مالك، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أحمد، فَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ.

<<  <   >  >>