للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: ٩٥] نَزَلَ بَعْدَ {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ٩٥] إلَخْ فِي الْمَجْلِسِ وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَغَيْرُهُ بِالنَّصْبِ أَيْ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا قَرَأَهُ أَبُو عَمْرو وَغَيْرُهُ بِالرَّفْعِ أَيْ عَلَى الصِّفَةِ وَالْأَصْلُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَحْوِهِ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤] أَيْ إذَا نَسِيت قَوْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَتَذَكَّرْتَ فَاذْكُرْهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا فَاخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنِسْيَانٍ تَوَسُّعًا فَقَوْلُهُ

ــ

[حاشية العطار]

الْمُقْتَرِحُ فَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَسَالِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ مَا امْتَنَعَ فِيهِ مُمْتَنِعٌ فِيهِ وَمَا جَازَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلُغَتِهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ كَأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ لِلْأَخِيرِ خَاصَّةً وَيَصْلُحُ أَيْضًا دَلِيلًا لِقَوْلِ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ اهـ. قَالَ سم وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ لِمَا قَبْلَ الْأَخِيرِ أَيْضًا اهـ.

وَنَظَرَ فِيهِ تِلْمِيذُ الْغُنَيْمِيِّ بِأَنَّ قَوْلَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ كَانَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ وَمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَةِ مُقَيَّدٌ بِالْمَجْلِسِ فَيُحْمَلُ قَوْلُ شَيْخِنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ لِمَا قَبْلَ الْأَخِيرِ عَلَى بَعْضِ مَا يُصَدَّقُ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ عَلَى أَنْ تُنَازَعَ فِي كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ دَلِيلًا مُطْلَقًا إذْ لَمْ يُنْتَجْ بَعْضُ الْمُدَّعَى.

(قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) فِيهِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْآخِرِ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: ٩٥] مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدُ فَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ نَفْسِهَا فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ نَزَلَ بَعْدَ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ إلَخْ فَكَانَ يُؤَخِّرُ قَوْلَهُ إلَى آخِرِهِ عَنْ قَوْلِهِ وَالْمُجَاهِدُونَ لِيَخْرُجَ عَنْ الْآخَر {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: ٩٥] .

(قَوْلُهُ: عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ) أَيْ لِأَجْلِهِ وَإِلَّا فَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ أَعْرَبُوا غَيْرَ الِاسْتِثْنَائِيَّة حَالًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا قَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو) وَجْهُ الشَّبَهِ وُجُودُ قِرَاءَةٍ لِأَبِي عَمْرٍو كَمَا وُجِدْت قِرَاءَةٌ لِنَافِعٍ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْرَأُ بِمَا قَرَأَهُ الْآخَرُ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ فَوَجْهُ الشَّبَهِ الْوُجُودُ أَوْ بِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَاتُرًا.

(قَوْلُهُ: أَيْ عَلَى الصِّفَةِ) وَهِيَ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ) أَيْ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ.

(قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) عَطْفٌ عَلَى مَا أَيْ نَحْوِ مَا رُوِيَ.

(قَوْلُهُ: كَمَا رُوِيَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

قَوْلُهُ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: ٢٣] أَيْ لَا تَقُولَنَّ لِأَجْلِ شَيْءٍ تَعْزِمُ عَلَيْهِ إنِّي فَاعِلُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ إلَّا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَيْ مُلْتَبِسًا بِمَشِيئَتِهِ فَفِيهِ حَذْفُ بَاءِ الْمُلَابَسَةِ وَالْتِبَاسُهُ بِالْمَشِيئَةِ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ كَانَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ أَوْ غَيْرِهِمَا.

(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ) جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الِاسْتِدْلَال قَالَ الْقَرَافِيُّ إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا الِاسْتِثْنَاءَ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَنَقَلَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مُدْرَكَهُ فِي ذَلِكَ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: ٢٣] الْآيَةَ نَقَلَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَالشَّارِحُ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْحَمْلِ فَلِذَا قَالَ وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعَلُّقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ اسْتِثْنَاءً حَقِيقَةً لِانْعِدَامِ أَدَاتِهِ فَإِنَّ الْوُجُودَ فِيهِ كَلِمَةُ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُمْ تَعَارَفُوا إطْلَاقَ اسْمِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: ١٧] {وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: ١٨] أَيْ لَا يَقُولُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي الْفَرَائِدِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالَ الِاسْتِثْنَاءُ نَوْعَانِ: اسْتِثْنَاءُ تَحْصِيلٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَاسْتِثْنَاءُ تَعْطِيلٍ وَهُوَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتَعَطَّلُ بِهِ.

(قَوْلُهُ: وَتَذَكَّرْت) قَدَّرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ لَا يَتَأَتَّى وَقْتَ النِّسْيَانِ وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْهُ كَانَ إذَا نَسِيت ظَرْفًا لِلذِّكْرِ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ اللَّهُ أَوْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقْتًا وَالْمُرَادُ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ فِي الْآيَةِ فَلَا يُنَافِي تَعْيِينَهُ فِي الْأَثَرِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا حَلَفَ الرِّجَالُ عَلَى يَمِينٍ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ إلَى سَنَةٍ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.

(قَوْلُهُ: فَاخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنِسْيَانٍ)

<<  <  ج: ص:  >  >>