وَالتَّنَاوُلُ لِهَذَا الْبَعْضِ حَيْثُ لَا تَخْصِيصَ إنَّمَا كَانَ حَقِيقِيًّا لِمُصَاحَبَتِهِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ (وَقِيلَ) مَجَازٌ (إنْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ) لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي هُوَ إخْرَاجُ مَا دَخَلَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْمُسْتَثْنَى بِخِلَافِ غَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُفْهَمُ ابْتِدَاءً أَنَّ الْعُمُومَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ (وَقِيلَ) مَجَازٌ (إنْ خُصَّ بِغَيْرِ لَفْظٍ) كَالْعَقْلِ بِخِلَافِ اللَّفْظِ فَالْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ (وَ) الْعَامُّ (الْمُخَصِّصُ قَالَ الْأَكْثَرُ حُجَّةً) مُطْلَقًا لِاسْتِدْلَالِ الصَّحَابَةِ بِهِ مِنْ نَكِيرٍ.
(وَقِيلَ إنْ خُصَّ بِمُعَيَّنٍ) ، نَحْوُ أَنْ يُقَالَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْمُبْهَمِ، نَحْوُ إلَّا بَعْضَهُمْ إذْ مَا مِنْ فَرْدٍ إلَّا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْرَجَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ إلَى أَنْ يَبْقَى فَرْدٌ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُبْهَمِ غَيْرُ حُجَّةٍ مَدْفُوعٌ بِنَقْلِ ابْنِ بَرْهَانٍ وَغَيْرِهِ الْخِلَافَ فِيهِ مَعَ تَرْجِيحِهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِيهِ (وَقِيلَ) حُجَّةٌ إنْ خُصَّ (بِمُتَّصِلٍ) كَالصِّفَةِ لِمَا تَقَدَّمَ
ــ
[حاشية العطار]
(قَوْلُهُ: وَالتَّنَاوُلُ لِهَذَا الْبَعْضِ) رَدٌّ لِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي.
(قَوْلُهُ: لِمُصَاحَبَتِهِ إلَخْ) إنْ أَرَادَ الْمُصَاحَبَةَ فِي الْحُكْمِ فَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحَقِيقَةُ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهَا تَنَاوُلُ اللَّفْظِ وَإِنْ أُرِيدَ مِنْ حَيْثُ تَنَاوُلُ اللَّفْظِ لَهُ فَفِيهِ أَنَّ هَذَا يَقُولُ بِهِ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ. (قَوْلُهُ: تَبَيَّنَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لَا اللَّفْظُ وَإِلَّا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا.
(قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى غَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ فَالْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ أَيْ إلَى اللَّفْظِ.
(قَوْلُهُ: حُجَّةً) أَيْ فِي الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِدَلِيلِ كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدُ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا الْإِطْلَاقُ هُنَا فِي مُقَابَلَةِ التَّفْصِيلِ اللَّاحِقِ فِي الْأَقْوَالِ الْآتِيَةِ وَفِيمَا يَأْتِي فِي الْقَوْلِ السَّادِسِ فِي مُقَابَلَةِ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ وَهُوَ مَا فُسِّرَ بِهِ هُنَا الْإِطْلَاقُ.
(قَوْلُهُ: لِاسْتِدْلَالِ الصَّحَابَةِ) أَيْ بَعْضِهِمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِمَّنْ لَمْ يَسْتَدِلَّ فَهُوَ إجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ خُصَّ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى هَذَا كَمَا فِي التَّحْرِيرِ نَقَلَهُ الْكَمَالُ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّعْيِينُ بِالنَّوْعِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا بَعْضَهُمْ) إنْ قُلْت إنَّ لَفْظَةَ بَعْضٍ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] إلَّا كُلَّ بَعْضٍ مِنْهُمْ فَلَا تَقْتُلُوهُمْ.
وَالْجَوَابُ مَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَخْصِيصُ ادِّعَاءِ ذَلِكَ مَا لَمْ تَدْعُ لِلْعُمُومِ ضَرُورَةٌ، نَحْوُ {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: ٥٥] لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُفَضَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُ فَتَفُوتُ الْأَفْضَلِيَّةُ لِلْبَعْضِ فَإِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ لِلْعُمُومِ فَهُوَ عَامٌّ، نَحْوُ {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [العنكبوت: ٢٥] {فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا} [سبأ: ٤٢] {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: ٥٠] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَبْقَى) فَرْضُ هَذَا الْجَوَابِ غَيْرُ دَافِعٍ لِدَلِيلِ الْأَوَّلِ إذْ حَاصِلُ الدَّلِيلِ أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ يَكُونُ هُوَ الْبَعْضَ الْمُخْرَجَ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْعَامِّ فِي فَرْدٍ وَاحِدٍ فَضْلًا عَنْ أَكْثَرَ لِقِيَامِ الِاحْتِمَالِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ فَالِاحْتِمَالُ الْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ فِي خُصُوصِيَّاتِ الْأَفْرَادِ لَا فِي كَمِّيَّتِهَا فَبَقَاءُ وَاحِدٍ بَلْ بَقَاءُ جَمِيعِهَا إلَّا وَاحِدًا لَا يَرْفَعُ الِاحْتِمَالَ فَلْيُتَأَمَّلْ قَالَهُ النَّاصِرُ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا لِبَعْضِهِمْ مَثَلًا دَلَّ قَطْعًا عَلَى خُرُوجِ الْبَعْضِ ثُمَّ يُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَاعْتِبَارُ خُصُوصِيَّةٍ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ ذَلِكَ فَخُرُوجُ بَعْضٍ مَا مُحَقَّقٌ وَكَوْنُ الْخَارِجِ مُتَعَدِّدًا أَوْ مَخْصُوصًا فِي الْوَاقِعِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَعَمِلْنَا بِالْمُحَقَّقِ وَأَلْغَيْنَا الْمُحْتَمَلَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْعَامِّ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْ ظُهُورِ الْعَامِّ فَعَمِلْنَا بِالْمُحَقَّقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ وَطَرَحْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ، هَذَا مَقْصُودُ الْمُجِيبِ وَإِنْ أَجْمَلَ فِي الْعِبَارَةِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمُبْهَمِ) أَيْ مَعَ الْمُبْهَمِ أَيْ مَعَ التَّخْصِيصِ بِهِ فَفِي هُنَا وَفِي قَوْلِهِ حُجَّةٌ فِيهِ بِمَعْنَى مَعَ وَلَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ فِي الْمُبْهَمِ مَا ضَرَّهُ إذْ الْكَلَامُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: غَيْرُ حُجَّةٍ) كَأَنَّهُ لِسِرَايَةِ الْإِبْهَامِ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: بِنَقْلِ ابْنِ بَرْهَانٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ كَمَا نُقِلَ عَنْ طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ لِلْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: مَعَ تَرْجِيحِهِ) أَيْ ابْنِ بَرْهَانٍ قَالَ فِي تَوْجِيهِهِ؛ لِأَنَّا إذَا نَظَرْنَا إلَى فَرْدٍ شَكَكْنَا فِيهِ