للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أكره هذا فى كل مسجد له إمام ومؤذن. فأما مسجد بُنى على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب، ولا يكون له إمام معلوم ويصلى فيه المارّة ويستظلون، فلا أكره ذلك فيه، لأنه ليس فيه المعنى الذى وصفتُ من تفرّق الكلمة (١) (وعن) أبى حنيفة لو كانت الجماعة أكثر من ثلاثة يكره تكرار الجماعة، وإلا فلا (وعن) أبى يوسف إذا لم تكن الجماعة على الهيئة الأولى لا تكره وإلا كرهت. وهو الصحيح (ومشهور) مذهب الحنبلية: أنه لا تكره إعادة الجماعة فى غير المساجد الثلاثة، ولكن لا دليل على هذه التفرقة (قال) ابن قدامة: فأما إعادة الجماعة فى المسجد الحرام ومسجد النبى صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى، فقد رُوِى عن أحمد كراهتُها فيها لئلا يتوانى الناس فى حضور الجماعة مع الإمام الراتب فيها إذا أمكنتْهم الصلاةُ فى الجماعة مع غيره. وظاهر خير أبى سعيد وأبى أمامه أن ذلك لا يكره.

لأن الظاهر أن هذا كان فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم، والمعنى يقتضيه أيضاً لأن حصول فضيلة الجماعة فيها كحصولها فى غيرها (٢) ومنه تعلم أن الراجح القول بعدم كراهة إعادة الجماعة فى المسجد مطلقاً (والجواب) عما استدل به القائلون بالكراهة وهو حديث أبى بكرة (أنه) لا يصلح للاحتجاج به لما تقدم، ولأنه ليس نصاً فى أن النبى صلى الله عليه وسلم جمع أهله فصلى بهم فى منزله، بل يحتمل أنه صلى بهم فى المسجد وكان ميله إلى منزله لجمع أهله للصلاة فيه (ومنه) يعلم ردّ قولهم: لو كانت الجماعة الثانية جائز بلا كراهة لما ترك صلى الله عليه وسلم فضلَ المسجد النبوى. وأيضاً فإنه يلزم منه كراهة الصلاة فرادى أيضاً فى مسجد قد صُلِّى فيه جماعة، فإنه يقال: لو كانت الصلاة فرادى جائزة بلا كراهة فى مسجد قد صُلى فيه جماعة لما ترك النبى


(١) ص ١٣٦ ج ١ - الأم (صلاة الجماعة).
(٢) ص ٨ ج ٢ - مغنى (الإمامة).