وقيل: وما تفرّق أهل الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقوله:{وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}[البينة: ٤]، {وإنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ} هم المشركون؛ أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب التوراة والإنجيل.
{فَلِذلِكَ} فلأجل التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعبًا، {فَادْعُ} إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية القديمة، {وَاسْتَقِمْ} عليها وعلى الدعوة إليها كما أمرك الله، {وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ} المختلفة الباطنة، {بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ} بأي كتاب صحّ أنّ الله أنزله، يعني: الإيمان بجميع الكتب المنزلة، لأنّ المتفرقين آمنوا ببعض وكفروا ببعض، كقوله:{وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ}[النساء: ١٥٠]، إلى قوله:{أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا}[النساء: ١٥١].
قالوا متعجبين:{أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا أن هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: ٥]، وقال الله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا}[الزمر: ٢٩].
وفي إسناد "الاجتباء" إلى ذاته عز وجل، وإسناد {كَبُرَ} إلى "ما تدعو": إشارة إلى معنى قوله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}، وفيه: أن أهل السنة والجماعة ممن اجتباه الله إلى دينه، وهداه إليه.
قوله:(وقيل: وما تفرق أهل الكتاب): جعل الضمير في قوله: {ومَا تَفَرَّقُوا} أولًا وآخرًا لأهل الكتاب، وفي الوجه الثاني: للناس بعد الطوفان، والظاهر الثني؛ لأن هذا الضمير