{وَما تَفَرَّقُوا} يعني: أهل الكتاب بعد أنبيائهم {إِلَّا مِنْ بَعْدِ} أن علموا أنّ الفرقة ضلال وفساد، وأمر متوعد عليه على ألسنة الأنبياء، {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} وهي عدة التأخير إلى يوم القيامة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} حين افترقوا؛ لعظم ما اقترفوا، {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ} وهم أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، {لَفِي شَكٍّ} من كتابهم لا يؤمنون به حق الإيمان.
وقيل: كان الناس أمّة واحدة مؤمنين بعد أن أهلك الله أهل الأرض أجمعين بالطوفان، فلما مات الاباء اختلف الأبناء فيما بينهم، وذلك حين بعث الله إليهم النبيين مبشرين ومنذرين، وجاءهم العلم، وإنما اختلفوا للبغي بينهم.
قوله:({يَجْتَبِي إلَيْهِ} يجتلب [إليه] ويجمع): أي: إلى الدين، أخذه من الجباية، وهو جلب الخراج، لا من الاجتباء، كما قال محيي السنة:"يصطفي الله من عباده من يشاء"؛ لأنه جعله من باب الجمع، فإن قوله:{أن أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا}، معناه: الإقامة على الجماعة، وترك الفرقة، وقوله:{كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ}، وقوله:{يَجْتَبِي إلَيْهِ} بيان لمن دخل فيها ومن خرج منها، فتأويل {يَجْتَبِي إلَيْهِ}: بـ"يجمع إلى الدين": أظهر معنى، و"يصطفي": أدق مغزى؛ لأن اصطفاء الله أولياءه يدل على اجتماعهم على التوحيد، وعدم الاختلاف في أصول الدين، قال الله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}[الأنعام: ٩٠]، كما أن إشراك أعداء الله يدل على التعدد والتفرقة، لاسيما وقد ضم معه {كَبُرَ}، ولهذا لما دعوا إلى التوحيد