ولتكونن في الآخرة من جملة الخاسرين الذين خسروا أنفسهم إن مت على الردة ويجوز أن يكون غضب الله على الرسول أشد، فلا يمهله بعد الردة: ألا ترى إلى قوله: {إذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ}[الإسراء: ٧٥]؟ {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ}: رد لما أمروه به من استلام بعض آلهتهم، كأنه قال: لا تعبد ما أمروك بعبادته، بل إن كنت عاقلا فاعبد الله، فحذف الشرط وجعل تقديم المفعول عوضا منه. {وَكُنْ مِنَ
{لَيَحْبَطَنَّ} من باب عطف المسبب على السبب، كقوله تعالى:{وَلَقَدْ آتِيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلهِ}[النمل: ١٥]، على رأي صاحب "المفتاح"، وأخرى بقوله:{فِي الْآخِرَةِ} من جملة الخاسرين الذين خسروا أنفسهم. وقوله:"ويجوز أن يكون غضب الله على الرسول أشد"، فعلى هذا يترك على إطلاقه مبالغة، أي ليحبطن عملك وليقهرنك بلا مهلة.
قوله:(بل إن كنت عاقلًا فاعبد الله)، هذا مذهب الزجاج. قال مكي: نصب "الله" بـ"اعبد"، وقال الفراء والكسائي: هو نصب بإضمار فعل، تقديره: بل اعبد الله فاعبد، والفاء للمجازاة عند أبي إسحاق، وزائدة عند الأخفش.
الانتصاف: مقتضى كلام سيبويه: أن الأصل: تنبه فاعبد الله، فحذفوا الفعل الأول اختصارًا، واستنكروا الابتداء بـ"الفاء"، ومن شأنها التوسط، فقدموا المفعول، وصارت "الفاء" متوسطة لفظًا، ودالة على المحذوف، وانضاف إليها فائدة الحصر؛ لإشعار التقدم بالاختصاص.
فإن قلت: هب أن الفاء في قوله: {بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ} دلت على إضمار الشرط، فما الدال على تخصيص "إن كنت عاقلًا" على رأي المصنف، أو "تنبه" كما فهم صاحب "الانتصاف" من كلام سيبويه؟