حيث اشتروا الكفر بالإيمان، إلا أن الكلام ورد مورد الإنصاف، كقوله:(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)] سبأ: ٢٤ [، وكقول حسان:
فشر كما لخير كما الفداء
وروى أنّ كعب بن الأشرف وأصحابه قالوا: يا محمد، من يشهد لك بأنك رسول الله؟ فنزلت.
قوله:(إلاَّ أنَّ الكلامَ وَرَدَ مَوْرِدَ الإنصافِ) أي: على أُسلوبِ الاستدراج والكلامِ المُنْصِفِ، وذلك أنَّ قولَه:{قُلْ كَفَى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالبَاطِلِ} الآيةَ كلامٌ فيه وَعيدٌ شديدٌ، وتهديدٌ عظيمٌ، لكن لم يُكافِحْ به مَنْ خُوطِبَ بأنْ لم يَقُلْ: والذين آمنوا بالباطلِ منكم، بل جيءَ به عامًّا على الغَيْبةِ، ولم يُصرِّحْ بما كان منهم من الجَحْد والتَّكذيبِ ليتفكَّروا فيه، ويَنظُروا: هل هم منَ الجاحِدينَ للحقِّ أو مِنَ المُنصِفِينَ، أو مِنَ الذين آمنوا بالله وكَفَروا بالطَّاغوتِ أو خلافِه، أو كانوا مُحِقِّينَ أو مُبْطِلِينَ؟ فحينئذٍ يُنْصَفُون من أنفُسِهم ويُذعنون للحقِّ، كما أنَّ حسّانَ وَبَّخ المخاطَبَ في صَدر البيت بقولِه:
أتَهْجُوهُ ولستَ له بكُفْءٍ
ثم أَبرزَ الكلامَ على الإنصافِ حيث لم يُبَيِّنِ الشِّريرَ والخَيِّرَ بقوله:
فشَرُّكُما لِخَيْرِكُما الفِداءُ
فقولُه:((إلا أنَّ الكلام وَرَد)) متعلِّقٌ بقوله: ((فهو مُطَّلِعٌ على أَمْري)) إلى آخِره؛ يعني: كان مِنْ ظاهرِ ما يَقتضيه الكلامُ أنْ يُقالَ: عالمٌ بحَقِّي وباطِلِكُم، والذين آمنُوا بالباطِلِ منكم، إلى آخِره، ولكنَّ الكلامَ وَرَدَ مَورِدَ الإنصافِ.